باعِدٍ ، أَي غَيْرَ صاغرٍ قاله الكسائيّ. ويقال : انطلقْ يا فلانُ غيرَ باعدٍ ، أَي ذَهَبْتَ.
ويقال : إِنّه لغيرُ أَبْعَدَ ، وهذه عن ابن الأَعرابيّ ، وغير بُعَدٍ ، كصُرَد ، إِذا دمَّه ، أَي لا خَيْرَ فيه. وعن ابن الأَعرابيّ : أَي لا غَوْرَ له في شيْءٍ.
وإِنّه لذُو بُعْدٍ. بضمّ فسكون ، وبُعْدَةٍ ، بزيادة الهاءِ ، وهذه عن ابن الأَعرابيّ ، أَي لذو رأْيٍ وحَزْم. يقال ذلك للرّجُل إِذا كان نافذَ الرَّأْيِ ذا غَوْرٍ وذا بُعْدِ رَأْيٍ. ويقال : ما عندَه أَبعَدُ ، أَو بُعَدٌ ، كصُرَد ، أَي طائلٌ ، ومثله في مجمع الأَمثال. وقال رجلٌ لابنه : إِن غَدَوْتَ على المِرْبَد رَبِحْتَ عَنَاءً أَو رَجَعْت (١) بغير بُعْدٍ (٢) ، أَي بغَير منفعة. وقال أَبو زيد : يقال : ما عندك بُعْدٌ (٣) ، وإِنك لغيرُ بُعَد ، أَي ما عندك طائلٌ. إِنّمَا تقول هذا إِذا ذَمَمْتَه. قال شيخنا : يمكن أَن يُحمل «ما» هنا على معنَى «الّذي» ، أَي ما عنده من المطالب أَبعدُ مما عند غيره ، ويجوز أَن تُحمَل على النَّفْيِ ، أَي ليس عنده شيءٌ يُبْعِدُ في طَلبِه ، أَي شيْءٌ له قيمةٌ أَو مَحلّ.
وَبَعْدُ ضدُّ قَبْل ، يعني أَنّ كلاً منها ظَرفُ زَمان ، كما عُرِفَ في العربيّة ، ويكونان للمكان ، كما جوَّزَه بعض النُّحاة (٤) ، يُبنَى مُفْرَداً ، أَي عن الإِضافة ، لكن بشرطِ نِيّة مَعنَى المضافِ إِليه دون لفظه ، كما قرّر في العربيّة ، ويُعْرَب مُضافاً ، أَي لأَنَّ الإِضافة تُوجِب توغُّلَه في الاسميّة وتُبعِده عن شَبَه الحروف ، فلا مُوجبَ معها لبنائه. وحُكِيَ : مِنْ بَعْدٍ ، أَي بالجر وتنوين آخره ، وقد قرِئ به قوله تعالى : (لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) (٥) بالجر والتنوين ، كأَنَّهم جَرَّدوه عن الإِضافَة ونِيّتها.
وحكى أَيضاً افعَلْ كذا بَعْداً ، بالتنوين منصوباً.
وفي المصباح : وبَعْد ظَرفٌ مُبْهَمٌ ، لا يُفهَم معناه إِلا بالإِضافَة لغيره ، وهو زَمانٌ متراخٍ عن الزَّمَان السابقِ ، فإِنْ قَرُبَ منه قيلَ ، بُعَيْدَه بالتصغير ، كما يقال قَبْل العصْر ، فإِذا قَرُب قيل قُبَيْل العَصْر ، بالتصغير ، أَي قريباً منه (٦). وجاءَ زَيدٌ بعْدَ عمرو ، أَي مُتراخِياً زَمانُه عن زَمانِ مجيءِ عَمْرو.
وتأْتي بمعنَى مَعَ ، كقوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ) (٧) أَي مع ذلك. انتهى.
وقال اللَّيثُ : بَعْد ، كلمةٌ دالّة على الشيْءِ الأَخيرِ ، تقول : هذا بعدَ هذا ، منصوب. وحَكى سيبويه أَنّهُم يقولون من بَعدٍ ، فيُنكِّرونه ، وافْعَلْ هذا بعْداً.
وقال الجوهريّ : بَعدُ نَقيضُ قَبلُ ، وهما اسمان يكونان ظَرفَين إِذا أُضِيفَا ، وأَصْلهما الإِضافة ، فمتَى حذفت المضاف إِليه لِعلْم المخاطَب بَنَيتَهما على الضّمّ ليُعلمَ أَنّه مَبنيّ ، إِذا كان الضّمّ لا يَدخل ما إِعراباً ، لأَنّهما لا يَصلُح وقُوعُهما مَوْقِعَ الفاعِلَ ولا مَوْقع المبتدإِ ولا الخَبَر.
وفي اللِّسان : وقوله تعالى : (لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) أَي من قبلِ الأَشياءِ ومِن بَعدِهَا ، أَصلهما هنا الخَفضُ ، ولكنْ بُنِيَا على الضمّ لأَنّهما غايتانِ ، فإِذا لم يكونَا غايةً فهما نَصْبٌ لأَنّهما صِفة. ومعنَى غايةٍ أَي أَنَّ الكَلِمَة حُذِفَت منها الإِضافَة وجُعلَتْ غَايَةُ الكَلِمَة ما بقِيَ بعد الحذْف. وإِنّمَا بُنيتا على الضّمّ لأَنّ إِعرابَهما في الإِضافة النّصب والخفض ، تقول : رأَيتُه قَبلَك ومِن قَبلِك ، ولا يُرفعان ، لأَنَّهما لا يُحدَّث عنهما ، استعملَا ظَرفَين ، فلمَّا عُدِلَا عن بابهما حُرِّكا بغير الحَرَكَتَيْن اللَّتَيْنِ كانَتَا له يَدخلان بحقّ الإِعراب. فأَمّا وُجُوبُ بنائهما وذَهاب إِعرابهما فلأَنَّهُمَا عُرِّفا من غير جهةِ التّعرِيفِ ، لأَنّه حُذِف منهما ما أُضيفَتَا إِليه ، والمَعنى. للهِ الأَمرُ من قَبلِ أَن تُغلَبَ الرُّوم ، ومن بَعدِ ما غَلَبَتْ. وحكَى الأَزهَرِيُّ عن الفرّاءِ قال : القِرَاءَة بالرّفع بلا نون ، لأَنّهما في المعنَى تراد بهما الإِضافَة إِلى شيْءٍ لا محالةَ ، فلمَّا أَدّتَا غير معنَى ما أُضِيفَتَا إِليه وُسِمَتَا بالرَّفْع ، وهما في موضعِ جَرٍّ ، ليكون الرَّفْعُ دَليلاً على ما
__________________
(١) التهذيب : ورجعت.
(٢) التهذيب : أبعد.
(٣) التهذيب : أبْعَد.
(٤) قال الراغب في المفردات : قبل يستعمل على أوجه : الأول في المكان بحسب الإِضافة ... الثاني : في الزمان نحو زمان عبد الملك قبل المنصور ... الثالث : في المنزلة نحو : عبد الملك قبل الحجاج. الرابع : في الترتيب الصناعي نحو تعلّم الهجاء قبل تعلّم الخط.
(٥) سورة الروم الآية ٤.
(٦) بهامش المطبوعة المصرية : «قال في المصباح : ويسمى تصغير التقريب».
(٧) سورة البقرة من الآية ١٧٨ وبهامش المطبوعة المصرية : «قوله (فَمَنِ اعْتَدى) الخ ، الذي في المصباح : (عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ).