الكسرِ في مَعنَى الهلاكِ ، حَقَّقَه شيخنا ـ بُعْداً ، بضمّ فسكون ، وبَعَداً. محرَّكةً ، قال شيخُنَا : فيه إِيهامُ أَنَّ المصدرين لكلِّ من الفِعلين ، والصّواب أَنّ الضّمّ للمضموم نَظير ضِدِّه الذي هو قَرُبَ قُرْباً ، والمحرّك للمكسور كَفَرِحَ فَرَحَاً. انتهى.
قلت : والّذي في المحكم واللِّسان : بَعِدَ بَعَداً ، وبَعُد : هَلَكَ أَو اغترَبَ ، فهو باعِدٌ. والبُعْد : الهَلَاكُ ، قال تعالى : (أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ) (١).
وقال مالكُ بنُ الرَّيب المازنيّ :
يَقُولونَ لا تَبْعَدْ وهُم يَدْفِنُّونَنِي |
|
وأَينَ مَكَانُ البُعْدِ إِلّا مكانيَا؟ |
وقرأَ الكسائيّ والنّاسُ : (كَما بَعِدَتْ) ، وكان أَبو عَبدِ الرحمن السُّلَمِيّ يَقرَؤُهَا بَعُدَتْ يجعَلُ الهلاكَ والبُعْد سواءٌ ، وهما قريبٌ من السَّوَاءِ ، إِلَّا أَن العرب بعضهم يقول بَعِدَ وبعضُهم يقول بَعُدَ ، مثل سَحِقَ وسَحُقَ. ومن النّاس مَن يَقول بَعُد في المكان وبَعِدَ في الهَلاك. وقال يونسُ : العرب تقول بَعِدَ الرَّجُلُ وبَعُدَ ، إِذا تباعدَ في غير سَبٍّ. ويقَال في السَّبِّ : بَعِدَ وسَحِقَ لا غير ، انتهى. فالَّذِي ذَهَبَ إِليه المصنّف هو المُجْمَعُ عليه عند أَئِمَّة الُّلغةِ والّذي رَجَّحَه غيرُ المصنّف هو قول بعضٍ منهم كما تَرَى.
فهو بَعِيدٌ وباعِدٌ وبُعَادٌ ، الأَخير بالضّمّ ، عن سيبويه ، قيل : هو لُغة في بَعِيد ، ككُبَار في كَبير. ج بُعَدَاءُ ، ككُرَمَاءَ ، وافق الذينَ يَقولونَ فَعِيل الذين يقولون فُعَال ، لأَنهما أُختانِ. وقد قيل بُعُدٌ ، بضمّتَين كقَضِيبٍ وقُضُبٍ ، وينشد قَول النابغة :
فتِلْكَ تُبْلِغُنِي النُّعْمَانَ إِنَّ له |
|
فَضْلاً على النَّاسِ في الأَدْنَى وفي البُعُدِ |
وضبطَه الجوهريّ بالتحريك (٢) ، جمع باعد ، كخادمٍ وخَدَمٍ.
وبُعْدَانٌ ، كرَغيفٍ ورُغْفَانٍ. قال أَبو زيد : إِذا لم تكن من قُرْبانِ الأَميرِ فكُنْ مِن بُعْدانِه ، أَي تَباعَدْ عنه لا يُصِبْك شَرُّه.
وزاد بعضُهم في أَوزان الجموع البِعَادَ ، بالكسر ، جمْع بَعيدٍ ، ككَريمٍ وكِرَامٍ. وقد جاءَ ذلك في قول جريرٍ.
ورجلٌ مِبْعَد ، كمِنْجَل : بَعيدُ الأَسْفَارِ. قال كُثيِّر عزّةَ :
مُنَاقِلَةً عُرْضَ الفَيَافِي شِمِلَّةً |
|
مَطِيّةَ قَذَّافِ على الهَوْلِ مِبْعَدِ |
وبُعْدٌ باعِدٌ ، مُبالَغَةٌ. وإِنْ دَعوتَ به قلْت : بُعداً له ، المختار فيه النّصب على المصدريّة. وكذلك سُحْقاً له ، أَي أَبْعَدَه اللهُ ، أَي لا يُرثَى له فيما نَزَلَ به. وتَميم تَرفَع فتقول : بُعدٌ له وسُحْقٌ ، كقولك : غلامٌ له وفَرسٌ.
وقال ابن شُميل : رَاودَ رَجلٌ من العرب أَعرابيّة [عن نفسها] (٣) فأَبَت إِلّا أَن يَجعَلَ لها شيئاً ، فجعلَ لها دِرْهَمين ، فلما خالطَها جعلت تقول : غَمْزاً ودِرْهماكَ لك ، فإِن لم تَغمِز فبُعْدٌ لك. رَفَعَت البُعْدَ. يُضرَب مَثلاً للرَّجُل تراه يَعمل العَمَل الشديدَ.
والبُعْد ، بضم فسكون ، والبِعَاد ، بالكسر : اللَّعْن ، منه أَيضاً.
وأَبْعَدَهُ اللهُ : نَحَّاه عَنِ الخَيْر ، أَي لا يُرْثَى له فيما نَزَلَ به. وأَبعده : لعَنَهُ ، وغرَّبَه.
وبَاعَدَه مُبَاعَدَة وبِعاداً ، وباعَد الله ما بينهما ، وبَعَّدَه تَبعيداً ويُقرأُ (رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) (٤). وهو قِراءَة العَوام (٥). قال الأَزهَريّ : قرأَ أَبو عَمرٍو وابن كَثير بَعِّدْ ، بغير أَلف ، وقرأَ يعقوبُ الحضرميّ رَبَّنا بَاعَدَ بالنَّصْب على الخَبر. وقرأَ نافع وعاصم والكسائيّ وحمزة باعِدْ بالأَلف على الدعاءِ. وأَبْعَدَه غيرُه.
ومَنزِلٌ بَعَدٌ ، بالتحريك : بَعيدٌ. وقولهم : تَنَحَّ غيرَ بَعيدٍ ، وغيرَ باعدٍ ، وغير بَعَدٍ ، محرَّكَةً ، أَي كنْ قريباً ، وغير
__________________
(١) سورة هود الآية ٩٥.
(٢) ومثله في التهذيب ومفردات الراغب.
(٣) زيادة عن التهذيب.
(٤) سورة سبأ الآية ١٩.
(٥) قال الفراء : ويقرأ على الخبر : ربُّنا باعَدَ وبعَّدَ. وبعِّد جزم. وقرئ ربنا بَعُدَ بينُ أسفارنا وبينَ أسفارنا.
قال الزجّاج : من قرأ باعِدْ وبعِّد فمعناهما واحد. وهو على جهة المسألة. ويكون المعنى : أنهم سئموا الراحة وبطروا النعمة. ومن قرأ بعُد بينُ أسفارنا بالرفع فالمعنى بعُد ما يتصل بسفرنا. ومن قرأ بعُدَ بينَ أسفارنا فالمعنى بعُد ما بين أسفارنا وبعُد سيرنا بين أسفارنا.