سَرَباً (١) ، قال : كان الحُوتُ مَالِحاً ، فلما حَيِيَ بالمَاءِ الذي أَصَابَه من العَيْنِ فوقَع في البَحْر جَمَد مَذْهَبُه في البَحْرِ فَكَانَ كالسَّرَبِ.
وقال أَبُو إِسحاق الزَّجَّاجُ : وسَرَباً مَنْصُوبٌ على جِهَتَين ، على المَفْعول كقَوْلِكَ : اتَّخَذْتُ طَرِيقِي في السَّرَب ، واتَّخَذْتُ طَرِيقي مَكَانَ كَذَا وكَذَا فتكُون مَفْعُولاً ثَانياً ، كقولك : اتَّخَذْتُ زَيْداً وَكِيلاً ، قال : ويجوز أَن يكون سَرَباً مَصْدَراً يَدُلّ عليه اتخذ (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ) ، فَيكُونُ المَعْنَى نَسِيَا حُوتَهُمَا فجعَلَ الحُوتُ طَرِيقَه في البَحْر ، ثم بَيَّن كَيْفَ ذَلِك ، فكأَنَّه قَالَ : سَرِب الحوتُ سَرَباً.
وقال المُعْتَرِضُ الظَّفَرِيّ في السَّرَب وجَعَلَه طَرِيقاً :
تَرَكْنَا الضُّبْعَ سَارِبَةً إِلَيهم |
تَنُوبُ اللَّحْم في سَرَبِ المَخِيمِ |
السَّرَب : الطَّرِيقُ ، والمَخِيمُ : اسْمُ وادٍ.
وعلى هذَا المَعْنى الآيَة : (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً) أَي سَبِيلَ الحُوت طَرِيقاً لِنَفْسِه لا يَحِيدُ عَنْه. المَعْنَى اتَّخَذَ الحُوتُ سَبِيلَه الَّذِي سَلَكَه طَرِيقاً طَرَقه (٢). وقال أَبُو حَاتِم : اتَّخَذَ طَرِيقَه في البَحْرِ سَرَباً. قال : أَظُنُّه يُرِيدُ ذَهَاباً.
سَرِب سَرَباً كذَهَب ذَهَاباً. وقال ابن الأَثير : السَّرَبُ «بالتَّحْرِيكِ» : المَسْلَكُ في خُفْيَةٍ.
والسَّرْبُ : الوِجْهَةُ. يقال : خَلِّ سَرْبَه «بالفَتْح» أَي طَرِيقَه وَوَجْهَه. والسَّرْبُ : الصَّدْرُ قاله أَبُو العَبَّاسِ المُبَرِّد. وإِنَّه لَوَاسِعُ السَّرْبِ أَي الصَّدْرِ والرَّأْيِ والهَوَى.
والسَّرْبُ : الخَرْزُ (٣) ، عن كُرَاع. يقال : سَرَبْتُ القِرْبَةَ أَي خَرَزْتُها. والسَّرْبَةُ : الخَرْزَةُ.
والسِّرْب بالكَسْر : القَطِيعُ من الظِّبَاء والنِّساءِ والطَّيْرِ وغَيْرِها كالبَقَر والحُمُرِ والشَّاءِ. واسْتَعَارَهُ شَاعرٌ من الجِنِّ للقَطَا فقال أَنْشَدَه ثَعْلَبٌ :
رَكِبْتُ المَطَايَا كُلَّهُنَّ فلم أَجِدْ |
أَلَذَّ وأَشْهَى من جِياد الثَّعَالِبِ |
|
ومن عَضْرَفُوطٍ حَطَّ بِي فَزَجَرْتُه |
يُبَادِرُ سِرْباً من قَطَاءٍ قَوَارِبِ (١) |
وقال ابنُ سِيدَه في العَوِيصِ : السِّرْبُ : جَمَاعة الطُّيور.
وعَنِ الأَصْمَعِيّ : السِّرْبُ والسِّرْبَةُ (٢) مِن القَطَا والظِّبَاءِ [والشاء] (٣) : القَطِيعُ. يقال : مَرَّ بِي سِرْبٌ من قَطاً وظِبَاءٍ وَوَحْشٍ وَنِسَاءٍ ، أَي قَطِيعٌ. وفي الحديث : «كَأَنَّهم سِرْبُ ظِبَاءٍ» السِّرْبُ ، بالكَسْر.
والسَّرِبُ : الذَّاهِبُ المَاضِي ، عن ابن الأَعرابيّ. وعنه أَيضاً ، قال شَمِر : الأَسْرَابُ مِنَ النَّاسِ : الأَقَاطِيع ، وَاحِدُهَا سِرْب ، بالكَسْر. قال : ولم أَسْمَع سِرْبا في النَّاس إِلا لِلْعَجَّاج ٤ والسِّرْبُ : الطَّريقُ. قاله أَبُو عَمْرو وثَعْلَب ، وأَنكَرَهُ المُبَرِّدُ وقال : إِنَّه لا يَعْرِفه إِلَّا بالفَتْحِ. وقال ابن السّيد في مثلثه : السَّرْبُ : الطَّرِيق ، فَتَحه أَبُو زَيْد ، وكَسَرُه أَبُو عَمْرو. وإِنه لَوَاسِعُ السِّرْب ، قيل : هو الرَّحِي البَالِ.
وقيل : هو الوَاسعُ الصَّدْرِ البَطِىءُ الغَضَب ، ويروى بالفَتح وَاسعُ السَّرْبِ ، وهو المَسْلَكُ والطَّرِيقُ ، وقد تقدم. قال شيخنا : هكَذَا في الأُصولِ ، يَعْنِي بالمُوَحَّدَةِ ، والظَّاهِر أَنَّه بالميم ؛ لأَنَّه الوَاقِعَ في شَرْحِ اللَّفْظِ الوَارِد ، وإِنْ وَقَعَ في الصَّحَاح تَفْسِيرُ وَاسِع السِّربِ برَخِيِّ البَالِ ، فإِنه لا يَقْتَضِي أَنْ يَشْرَحَ السِّربَ بالبَالِ كما لا يَخْفَى ، انتهى.
قُلْتُ : السَّرْبُ بمَعْنَى المَالِ إِنَّمَا هو بالفتح لا غَيْر. ففي لِسَانِ العرب ، السَّرْبُ بالفتح : المَالُ الرَّاعِي ، وقِيلَ : الإِبلُ وَمَا رَعَى مِنَ المَالِ. وقد تَقَدَّم بَيَانُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِك ، والمُؤَلِّف إِنَّمَا هُو بِصَدَد معنى السِّرْبِ بالكسر ، فالصَّوَابُ ما في أَكْثَرِ الأُصول ، لا مَا زَعَمَه شَيْخُنَا كما لا يَخْفَى. ثم إِنِّي رأَيتُ القَزَّاز ذكرَ في مُثَلَّثِه : ويقولون : فلانٌ آمِنٌ في سِرْبِه «بالكسر» أَي مَالِه أَي فهو لُغَةٌ في الفتح ، ومثله لابْن
__________________
(١) سورة الكهف الآية ٦١.
(٢) عن اللسان ، وبالأصل «أطرقه».
(٣) وذلك لأن الماء ينسرب منه ، أي يخرج.
يقال : سَرَبَ يقال على تصور الفعل من فاعله ، وانسرب على تصور الانفعال منه ، وسَرَبَ الدمع سال وانسربت الحية إلى حجرها وسَرَبَ الماء من السقاء.
(٤) اللسان والحيوان ومحاضرات الراغب باختلاف الرواية.
والعضرفوط ضرب من العظاء. وهي دويبة على خلقة سام أبرص.
(٥) اللسان : «السُّرْبَة».
(٦) زيادة عن اللسان.
(٧) قال العجاج :
وربّ أسراب حجيجٍ كُظَمِ