ذلك كما قدّمناهُ ، وهذه النُّسْخة خطأٌ ، على أَنّ في لسان العرب : وحكَى السِّيرافيُّ عن [أَبي] (١) عَمْرٍو عَنْ أَعْرَابِيٍّ سَمِعَه يقولُ لِآخَرَ : انْطَلِقْ معي ، أَهَبْكَ نَبْلاً (٢). فالصَّوَابُ في النّسخة : أَوْ حكاه أَبو سعيدٍ ، عن عمروٍ ، عن أَعرابيٍّ ؛ لِأَنَّ السِّيرَافيَّ اسْمُهُ الحَسْنُ بْنُ عبدِ اللهِ ، وكنيته أَبو سعيدِ والمُراد بعمرٍو هو سِيبوَيْه ، لِأَنّه عَمْرو بن عُثْمَانَ بْنِ قَنْبَر ، والسِّيرافيُّ شَرَحَ كتابَ سِيبويْه ، فسقط من الكاتب : سعيد ، وعن. وهذا يؤيّد ما نقله شيخُنا عن بعضٍ أَنّه قولُ سيبويهِ.
وهُو واهِبٌ ووهّابٌ ووَهُوبٌ.
ومن أَسمائه تعالى (الْوَهّابُ) ، وهو المُنْعِمُ على العِباد ، وفي النّهايَة : وهو في صِفَته تعالَى يَدُلُّ على البَذْل الشّاملِ والعطاءِ الدّائم ، بلا تَكَلُّفٍ ، ولا غَرضٍ ، ولا عِوَضٍ.
قلتُ : قال ابنُ منظور : الهِبة : العَطِيَّةُ الخاليَةُ عن الأَغْراض والأَعْواض ، فإِذا كَثُرَتْ ، سُمِّيَ صاحبُها وَهّاباً ، وهو من أَبْنِية المُبَالغة. انتهى ، قال شيخُنا : واختُلِفَ في أَنَّه من صفاتِ الذَّات ، أَو الأَفعال ، والصّحيحُ الثّاني ؛ أَو أَنَّ المُرَادَ إِرادةُ الهِبَةِ ، انتهى.
والوَهُوب : الرَّجُلُ الكثيرُ الهِبَاتِ ووَهّابَةٌ ، زِيدَت فيه الهاءُ لتأْكيدِ المُبالغةِ ، كعَلَّامةٍ. والاسمُ المَوْهِبُ ، والمَوْهِبَةُ بكسر الهاءِ فيهما. صرَّح به الفيُّوميُّ ، وابْنُ القُوطِيَّةِ ، وابْنُ القَطَّاع ، والجوْهريّ ، والسَّرقُسْطيُّ ، للقاعدة السابقة.
واتَّهَبَه : قَبِلَهُ. وفي الصِحاح : الاتِّهابُ : قَبُولُ الهِبَةِ ، والاستِيهاب : سُؤالُها. وفي اللِّسان : اتَّهَبْتُ منك دِرْهماً ، افْتَعلْتُ ، من الهِبَة. وفي الحديث : «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لا أَتَّهِبَ إِلّا من قُرَشِيٍّ ، أَو أَنصَارِيٍّ ، أَوْ ثَقَفِيٍّ» ؛ [أَي لا أقبل هدية إلا من هؤلاء] (٣) لأَنّهم أَصحابُ مُدُنٍ وقُرًى ، وهم أَعْرَفُ بمكارم الأَخلاق. قال أَبو عُبيْد : رأَى النَّبِيُّ ، صلىاللهعليهوسلم ، جفَاءً في أَخلاق الباديَة ، وذَهاباً عن المُرُوءَةِ ، وطلباً للزِّيادة على ما وَهَبُوا ، فَخصَّ أَهلَ القُرَى العربيّةِ خاصَّةً في قَبَول الهديّة منهم دونَ أَهلِ الباديةِ لِغَلَبَة الجفَاءِ على أَخلاقهم ، وبُعْدهِم من ذَوِي النُّهَى والعُقول (٤). وأَصْلُه : اوْتَهَبَ ، قلبت الواوُ تاءً ، وأُدْغِمت في تاءِ الافتعال ، مثل : اتَّعَدَ واتَّزَنَ ، من الوَعْدِ والوَزْنِ.
وفيهِمُ التَّهادِي والتَّوَاهُبُ.
يُقال : تَواهبُوا : إِذا وَهَبَ بَعْضُهُم لِبَعْضٍ ، وتَواهَبهُ النّاسُ بينهم. وفي حديث الأَحْنَف : ولا التَّواهُبُ فيما بَيْنَهُمْ ضَعَة أَي : أَنَّهُم لا يَهَبُونَ مُكْرَهِينَ.
ووَاهَبَه فَوَهَبَهُ يَهَبُه ، كَيَدَعُهُ وَيَرِثُهُ ، بالوَجْهَيْنِ. أَمّا الفتح ، فلأَجل حَرْف الحَلْق ، وأَمّا الثّاني ، فشاذٌّ من وَجْهَينِ ، وكان أَوْلَى أَنْ يكونَ مضمومَ العينِ ؛ لِأَنَّ أَفعالَ المُغَالَبةِ كلَّها تَرْجِع إِلى فَعَلَ يَفْعُلُ ، كنَصَرَ يَنْصُرُ ، لم يَشِذّ منها غيرُ قولِهم : خاصَمَنِي فخَصَمْتُهُ ، فأَنا أَخْصِمُهُ ، بالكسر ، لا ثانيَ له.
قاله شيخنا ، وقد تقدَّم ما يَتعلَّق به. غَلَبَهُ في الهِبَةِ ، أَيْ كانَ أَوْهَبَ ، أَي أَكْثَرَ هِبَةً منه.
والمَوْهِبَة ، بفتح الهاءِ ، هكذا مَضْبُوطٌ : العَطِيَّة. وفي لسان العرب : المَوْهِبَة : الهِبَة ، بكسر الهاءِ ، وجَمْعُها مَوَاهِبُ. وفي الأَساس : وهذه هِبَةُ فلانٍ ، ومَوْهِبَتُهُ ، وهِبَاتُهُ ، وَموَاهِبُه ، وفُلانٌ يَهَبُ ما لا يَهَبُهُ أَحدٌ. ومِن الأَشياءِ ما ليس يُوهبُ.
ومن المَجَاز : المَوْهَبَةُ ، بفتح الهاءِ : السَّحَابَةُ تَقَعُ حَيْثُ وَقَعَتْ ، عن ابنِ الأَعرابِيّ. والجَمْعُ مَوَاهِبُ ، يقالُ : كَثُرَت المَوَاهبُ في الأَرْض : أَي الأَمطار (٥) :
والمَوْهَبَةُ : حِصْنٌ بِصَنْعَاء اليَمَن ، من أَعماله.
ومَوْهَبٌ : اسْمُ رَجُل ، ومثلُهُ في الصَّحاح ولسان العرب ؛ وأَنشد لِأَبَّاقٍ الدُّبَيْرِيّ :
__________________
(١) عن اللسان.
(٢) عن اللسان ، وفي الأصل «نيلا».
(٣) زيادة عن النهاية.
(٤) وكان عبد الله بن جداعة القيسي قد أهدى شاة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فأتاه فقال : يا رسول الله أثبني ، فأمر له بحقٍّ ، فقال : زدني! فأمر له بحق ، ثم عاد : فقال : زدني ، فزاده فقال .. الحديث الفائق ٣ / ١٨٥ وكان ابن جداعة بدوياً.
(٥) وفي الأساس : أي ماء السماء.