وفي الصَّحاح : النَّصْبُ ، أَي : بفتح فسكون : ما نُصِبَ ، فعُبِدَ من دُون الله تعالَى ، كالنُّصْبِ ، بالضَّمِّ فسكون ، وقد يُحرَّكُ. وزاد في نسخة مِنْهُ (١) : مثل عُسْر وعُسُر ، فيُنظَر هذا مع عبارة المصنّف السّابقة. قالَ الأَعْشَى يمدَحُ سيِّدَنا رسولَ اللهِ ، صلىاللهعليهوسلم :
وذا النُّصُبَ المَنْصُوبَ لا تنْسُكَنَّهُ |
لِعاقِبةٍ (٢) والله ربَّكَ فاعْبُدَا |
أَراد : فاعبدَنْ ، فوقفَ بالأَلف. وقوله : وذا النُّصُبَ ، أَي : إِيّاكَ وذا النُّصُبَ. وقال الفَرّاءُ : كأَنّ النُّصُبَ الآلهةُ الّتي كانت تُعْبَدُ من أَحجارٍ. قال الأَزهريّ : وقد جعَلَ الأَعْشَى النُّصُبَ واحداً (٣) ، وهو مصدرٌ ، وجمعُه الأَنْصَابُ.
وكانوا يَعْبُدُون الأَنْصَابَ ، وهي حِجارَةٌ كانَتْ حَوْلَ الكَعْبَةِ ، تُنْصَبُ ، فيُهَلُّ عَلَيْهَا ، ويُذْبَحُ لِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى ، قاله ابْنُ سيدَهْ. واحِدُها نُصُبّ ، كعُنُق وأَعْنَاق ، أَو نُصْبٌ بالضّمّ ، كقُفْل وأَقْفَالِ. قالَ تَعَالى : (وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ) (٤). وقوله (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) (٥) الأَنْصَابُ : الأَوْثانُ ، وقال القُتَيْبِيُّ : النُّصُبُ : صَنَمٌ أَو حَجَرٌ ، وكانت الجاهليّةُ تَنْصِبُهُ ، تَذْبَحُ عندَه ، فيَحْمَرُّ للدَّمِ (٦). ومنهحديثُ أَبي ذَرٍّ في إِسلامه ، قال : «فَخَرَرْتُ (٧) مَغْشِيّاً عليَّ ، ثم ارتَفعتُ كأَنِّي نُصُبٌ أَحْمَرُ» ، يُرِيدُ أَنَّهُم ضَرَبوه ، حتّى أَدْمَوْهُ ، فصال كالنُّصُبِ المُحْمَرِّ بدَمِ الذّبائحِ.
والأَنصَابُ من الحَرمِ : حُدُودُه ، وهي أَعلامٌ تُنْصَبْ هناك لِمعرِفَتها. والنُّصْبَةُ ، بالضَّمّ : السّارِيَةُ المَنْصُوبَةُ. لمعرفةِ عَلامةِ الطّرِيق.
والنَّصائِبُ : حِجَارَةٌ تُنْصَبُ حَوْلَ الحَوْضِ ، ويُسدُّ ما بَيْنَها من الخَصَاصِ ، بالفتح : الفُرَجِ بينَ الأَثافِيّ بالمَدَرَةِ المَعْجُونَةِ ، واحِدَتُهَا نَصِيبَةٌ. وعن أَبي عُبيد : النَّصائبُ. ما نُصِب حَوْل الحَوْضِ من الأَحْجَارِ ، أَي : ليَكُونَ علامةً لما يُرْوِي الإِبِلَ من الماءِ ، قال ذُو الرُّمَّةِ :
هَرَقْنَاهُ في بادِي النَّشِيئَةِ داثرٍ |
قَدِيمٍ بِعَهْدِ الماءِ بُقْعٍ نَصائِبُهْ |
والهاءُ ، في هَرْقنَاه ، تعودُ إِلى سَجْل تَقدَّمَ ذكْرُهُ.
ومن المَجَاز : نَاصَبَهُ الشَّرَّ ، والحَربَ ، والعَداوَةَ ، مُنَاصَبَةً : أَظْهَرَهُ لَهُ ، كَنَصَبَهُ (٨) ثُلاثيّاً ، وقد تقدّم ، وكُلُّهُ من الانتصاب ، كما في لسان العرب.
وتَيْسٌ أَنْصَبُ : إِذا كان مُنْتَصِبَ القَرْنَيْنِ ، مرتَفِعَهُمَا.
وعَنْزٌ نَصْباءُ : بَيِّنَةُ النَّصَبِ ، إِذا انْتَصَبَ قَرْنَاهَا ، ونَاقَةٌ نَصْباءُ : مُرْتَفِعَةُ الصَّدْرِ وهو نَصُّ الجَوْهَرِيّ. وأُذُنٌ نَصْبَاءُ : وهي الّتي تَنْتَصِبُ وتدنُو من (٩) الأُخْرَى.
وتَنصَّبَ الغُبارُ* : ارْتَفَعَ ، كانْتَصَبَ ، وهو مَجازٌ ، كما في الأَساس (١٠). ويوجد في بعض النسخ : الغُرابُ ، بدل الغُبَار ، وهو خطأٌ.
وفي الصِّحاح : تَنَصَّبَتِ الأُتُن حَوْلَ الحِمارِ : أَي وَقَفَتْ.
والمِنْصَبُ ، كمِنْبَر : شَيْءٌ من حدِيد ، يُنْصَبُ علَيْه القِدْرُ ، وقد نَصَبْتُها نَصْباً. وعن ابن الأَعرابيّ : هو ما يُنْصبُ عليه القِدْرُ ، نَصْباً ، إِذا كان من حديد.
وتقولُ للطَّاهِي : انْتَصِبْ ، أَي : انْصِبْ قِدْرَكَ للطَّبْخ.
__________________
(١) بالأصل «منها» وفي هامش المطبوعة المصرية : «قوله «منها» ، لعل الظاهر «منه» أي الصحاح. وهو مثبت في اللسان.
(٢) في اللسان «لعافية» وبهامشه «كذا بنسخة من الصحاح الخط ، وفي نسخ الطبع كنسخ شارح القاموس «لعاقبة».
وزيد في اللسان : ويروى عجز بيت الأعشى :
ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا
(٣) زيد في اللسان : حيث يقول :
وذا النصب المنصوب لا تنسكنه
والنصب واحد ، وهو مصدر ..
(٤) سورة المائدة الآية ٩٠.
(٥) سورة المائدة الآية ٣.
(٦) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله فيحمر الدم كذا بخطه ولعله فيحمره الدم أو فيحمر بالدم» وما أثبتناه للدم عن اللسان.
(٧) عن النهاية ، وفي الأصل «فخرجت».
(٨) في القاموس : كنَصَّبته ضبط قلم.
(٩) عن اللسان ، وبالأصل «إلى».
(١١) (*) عن القاموس : الغُرابُ.
(١٠) في الأساس : غبار منتصبٌ ومتنصب. قال :
سوابقها يخرجن من متنصب |
خروج بالقواري الخضر من سبل الرعد |
وفي الصحاح : وغبار منتصب أي مرتفع ، وفي القاموس المطبوع : وتنصّب الغرابُ.