ورجل لَبٌّ : لازمٌ لِصَنْعَتِه ، لا يُفَارِقُهَا ويُقَال : رجلٌ لَبٌّ طَبٌّ ، أَي : لازِمٌ للأَمْر. وأَنشد أَبو عَمْرو :
لَبّاً بأَعْجَازِ المَطِيّ لاحِقا
واللَّبُّ : المُقِيمُ بالأَمْر.
وقال ابْنُ الأَعْرَابيّ : اللَّبُّ : الطاعةُ : وأَصلُه من الإِقامَة.
وقولهم : لَبَّيْكَ : اللَّبُّ واحدٌ ، فإِذا ثَنَّيْت ، قُلتْ في الرّفع : لَبَّانِ ، وفي النَّصْب والخَفْض : لَبَّيْنِ ، وكان في الأَصل : لَبَّيْنِكَ ، أَي أَطَعْتُك مرّتَيْن ، ثم حذفت النّون للإِضافة ، أَي أَطعتْك طاعةً ، مُقيماً عِنْدَكَ إِقامةً بعدَ إِقامةٍ.
وفي المُحْكَم : قال : سِيبَوَيْهِ : وزعَمَ يُونُسُ أَنَّ لَبَّيْك اسْمٌ مفرد ، بمنزلة عَلَيْك ، ولكِنَّهُ جاءَ على هذا اللَّفْظ في حَدِّ الإِضَافَةَ. وزَعم الخليلُ أَنّها تَثْنيَةٌ ، كأَنّه قال : [كلّما] (١) أَجَبْتُك في شَيْءٍ ، فأَنَا في الآخَرِ لك مُجِيبٌ. قال سِيبَوَيْهِ : ويَدُلُّكَ على صِحَّة قولِ الخَلِيل قولُ بعضِ العرب : لَبِّ ، يُجْرِيهِ مُجْرَى أَمْسِ وَغَاقِ. وقال ابْنُ جِنِّي : الأَلِفُ في لَبَّى عندَ بعضهم ، وهي ياءٌ التَّثْنِيَة في : لَبَّيْكَ ، لأَنَّهم اشْتَقُّوا من الاسم المَبْنِيّ الّذي هو الصَّوْت مع حرف التّثنية فعْلاً ، فجَمعوه من حُروفه ، كما قالُوا من لا إِلهَ إِلّا اللهُ : هَلَّلْتُ ، ونحو ذلك ، فاشْتَقُّوا لَبيْتُ من لَفْظ لَبّيْكَ ، فجَاؤُوا في لفظ لَبَّيْت بالياءِ الّتِي للتّثنية فِي لَبَّيْك ، وهذا قول سِيبَويهِ. قال : وأَما قولُ يُونُسَ ، فزَعَمَ أَن لَبَّيْكَ اسْمٌ مُفْرَد ، وأَصلُه عندَهُ : لَبَّبٌ ، وزنُهُ فَعْلَلٌ ، قال : ولا يجوزُ أَن تَحْمِلَهُ على فَعَّلَ ، لِقِلَّة فَعَّلَ في الكلام ، وكَثرة فَعْلَلَ ، فقلب (٢) الباءَ ، الّتي هي الّلام الثّانية من لَبَّبَ ، ياءً ، هَرَباً من التّضعيف ، فصار لَبَّىٌ ، ثُمَّ أَبدل الياءَ أَلفاً لِتَحَرُّكِها وانفتاح ما قبلَها ، فصارَ لَبَّى ، ثم إِنّه لَما وُصِلَتْ بالكاف في لَبَّيْك ، وبالهاء في لَبَّيْه ، قُلِبت الأَلفُ ياءً ، كما قلبت في [إِلَى] (٣) وعَلَى ولَدَى ، إِذا وَصَلْتَها بالضَّمير ، فقلتَ : إِلَيْكَ ، وعَلَيْكَ ، وَلَدَيْكَ. وقد أَطال شيخُنا الكلام في هذا المَبْحث ، وهو مأْخوذٌ من لسان العرب ، ومن كتاب المُحْتَسِب لابْنِ جِنِّي ، وغيرِهما ؛ وفيما ذكرناه كفايةٌ. واللُّبُّ ، بالضَّمِّ : السَّمُّ. وفي لسان العرب ، عن أَبي الحسن : وربّما سُمِّي سَمُّ الحَيَّةِ لُبّاً.
واللُّبُّ : خالِصُ كُلِّ شَيءٍ ، كاللُّبابِ ، بالضَّمّ أَيضاً.
ومِنَ النَّخْلِ جَوْفُهُ. وقد غلب على ما يُؤكَلُ داخلُهُ ويُرْمَى خارِجُهُ من الثَّمَر.
ولُبُّ الجَوْزِ نَحْوِه (٤) كاللَّوْز وشِبْهِهِ : ما في جَوْفِه ، والجمع اللّبُوبُ. ومثلُهُ قولُ اللَّيْث : ولُبُّ النَّخلَة : قَلْبُها.
ومن المَجَاز : لُبُّ الرَّجُل : ما جُعل في قلْبه من العَقْل ، سُمِّيَ بهِ لأَنّه خُلاصَة الإِنسان ، أَو أَنَّهُ لا يُسمَّى ذلك إِلّا خَلُصَ من الهَوَى وشوائبِ الأَوْهَام ، فعلى هذا هو أَخَصُّ من العَقْل. كذا في كشف الكَشَّاف ، في أَوائل البَقَرَة ، نقله شيخُنا. ج : أَلْبَابٌ ، وأَلُبٌّ بالإِدْغام ، وهو قَلِيلٌ (٥). قال أَبو طالبٍ :
قَلْبِي إِليهِ مُشَرِفُ الأَلُبِّ
وقال الجَوْهَرِيُّ. وربَّمَا أَظهروا التَّضْعيفَ في ضرورَة الشّعر ، قال الكُمَيْتُ :
إِلَيْكُم بَنِي آلِ النَّبِيِّ تَطَلَّعَت |
نَوَازِعُ من قَلْبِي ظِماءٌ وأَلْبُبُ(٦) |
وقد لَبُبْتَ ، بالكَسر وبالضمّ ، أَي : من بابِ : فَرِحَ وقَرُبَ ، تَلَبّ بالفتح ، لبّاً بالكسر (٧) ولَبّاً ، ولَبَابَةً بالفتح فيهما : صرْتَ ذا لُبٍّ. وفي التّهذيب : حُكِيَ : لَبُبْتَ ، بالضَّمّ ، وهو نادِرٌ ، لا نظيرَ له في المضاعف.
وقيل لِصَفِيَّةَ بنتِ عبدِ المُطَّلِب ، و [قد] (٨) ضَرَبَتِ الزُّبَيْرَ : لِمَ تَضْرِبِينَه؟ فقالت : لَيَلَبَّ (٩) ، ويَقُودَ الجَيْشَ ذَا الجَلَبْ.
أَي يصيرَ ذا لُبٍّ ورواه بعضُهم أَضْرِبه لكَي يَلَبَّ ، ويَقُودَ الجَيْشَ ذا اللَّجَب. قال ابْنُ الأَثِيرِ : هذه لغةُ أَهلِ الحجاز ، وأَهلُ نَجْدِ يقولُونَ : لَبَّ يَلبُّ ، بوزن فَرَّ يَفرّ.
__________________
(١) زيادة عن اللسان.
(٢) اللسان : فقُلبت.
(٣) بهامش المطبوعة المصرية : قوله «في على ولدي» سقط من خطه «إلى» بدليل ما بعده.
(٤) في القاموس : ونحوها.
(٥) كما جمع بؤس على أبؤس ونُعْمٌ على أنعُمٍ عن الصحاح.
(٦) بهامش المطبوعة المصرية «قوله «بني» الذي في الصحاح : ذوي».
(٧) كذا ، وفي اللسان ضبط قلم : لُباًّ.
(٨) زيادة عن اللسان.
(٩) في النهاية : أضربه كي يَلَبّ.