لخَرَّق (١) قَمِيصَهُ.
وقال الفَرَّاءُ ، في قوله تَعَالى (بِدَمٍ كَذِبٍ) : معناه : مكذوبٌ. قال : والعربُ تقولُ للكَذِب : مكذوبٌ ، وللضَّعْفِ : مضعوفٌ ، وللجَلْد : مجلودٌ ، وليس له معقودٌ رَأْيٍ : يُرِيدُونَ عَقْدَ رَأْيٍ ، فيَجْعَلُونَ المَصَادرَ في كثير من الكلام مفعولاً. وقال الأَخفش : بِدَم كَذِبٍ ، فجعلَ الدَّمَ كَذِباً ، لِأَنَّهُ كُذِبَ فيه ، كما قال تعالَى : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) (٢). وقال أَبو العَبّاسِ : هذا مصدرٌ في معنى مفعول ، أَرادَ : بِدَمٍ مكذوب. وقال الزَّجّاجُ : (بِدَمٍ كَذِبٍ) ، أَي : ذِي كَذِبٍ والمعنى : دَمٌ مكذوبٌ فيه. وقُرِئَ بِدَمٍ كَدِبٍ بالمُهْمَلَة ، وقد تقدَّمتِ الإِشارة إِليه.
والكَذِبُ أَيضاً : هو البياضُ في الأَظْفار ، عن أَبي عُمَرَ الزّاهِدِ ، لغة في المُهْمَلة.
وقد يُستعمَلُ الكَذِبُ في غير الإِنسانِ قالوا : كَذَبَ البَرْقُ ، والحُلُمُ ، والظَّنُّ ، والرَّجاءُ ، والطَّمَع.
وكَذَبَتِ العينُ : خانَها حِسُّها.
وكَذَبَ الرأْيُ : تَوَهَّمَ الأَمْرَ بخلاف ما هُوَ به. ومن المجاز : كَذَبَتْكَ عَيْنُكَ : أَرتْكَ ما لا حَقِيقَةَ له. وفي التّنزيل العزيز : (حَتّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ) قَد كُذِّبُوا (٣) ، بالتّشديد وضَمّ الكاف ، وهي قراءَةُ عائشةَ (٤) ، وقَرَأَ بها نافعٌ وابْنُ كَثير وأَبو عَمْرٍو وابْنُ عامر ، وقرأَ عاصمٌ وحَمْزَةُ والكِسائيُّ : كُذِبُوا ، بالتَّخْفِيف وضَمِّ الكاف ، ورُوِي ذلك عن ابن عَبّاسٍ ، وقال : كانُوا بَشَراً ، يعني : الرُّسُلَ ، يَذهَبُ إِلى أَنَّ الرُّسَلَ ضَعُفُوا فَظَنُّوا أَنهم قد أُخْلِفُوا. قال أَبو منصور : إِنْ صَحَّ هذا عن ابنِ عبّاس ، فوجْهُه عندي ، واللهُ أَعلم ، أَنَّ الرُّسُلَ قد خَطَرَ في أَوهامهم ما يَخْطُر في أَوهام البَشَرِ ، من غير أَن حَقَّقُوا تلك الخواطرَ ولا رَكَنُوا إِليها ، ولا كان ظَنُّهم ظَنًّا اطمأَنُّوا إِليه ، ولكنّه كان خاطراً يَغْلِبُهُ الْيَقِينُ.
كذا في لسان العرب. وهو من تكَاذيبِ الشِّعْر (٥).
ومن المجاز : كَذَبَ لَبَنُ النّاقة ، وكَذَّبَ : ذَهَبَ ، وهذه عن اللِّحْيَانِيّ. وكَذَبَ البَعِيرُ في سَيْرِه : إِذا ساءَ سَيْرُهُ : قال الأَعْشَى :
جُمَالِيَّة تَغْتَلِي بالرِّدافِ |
إِذا كَذَبَ الآثِماتُ الهَجِيرا |
كذا في لسان العرب.
ومن المَجَاز أَيضاً : كَذَبَ الحَرُّ : انكسر.
وكَذَبَ السَّيْرُ : لم يَجِدَّ. والقَوْمَ السُّرَى : لم يُمْكِنْهُمْ (٦).
والكَذَّابَةُ : ثَوبٌ ، يُصْبَغُ بِأَلْوَانٍ ، يُنْقَشُ كأَنَّه مَوْشِيٌّ. وفي حديث المسعوديّ : «رأَيتُ في بيت القاسم كَذّابَتَيْنِ في السَّقْف» : الكَذّابَةُ : ثَوْبٌ ، يُصوَّرُ ويُلْزَقُ بسَقْفِ البيت ، سُمِّيت به لأَنها تُوهِمُ أَنها في السَّقف ، وإِنّما هي في ثوبٍ دُونه : كذا في الأساس (٧) ، ومثلُه في لسان العرب.
* وممّا استدرَكَهُ شيخُنا : المَكَاذِبُ ، قيل : هو مِمّا لا مُفْرَدَ له ، وقيل : هو جمعٌ لكَذِب ، على غير قياس. وقيل : هو جمع مَكْذَبٍ ؛ لأَنّ القِيَاسَ يقتضيه أَو لِأَنّه موهومُ الوَضْعِ ، كما قالُوا في مَحَاسِنَ ، ومَذاكِرَ ، ونَحْوِهما. ومنها أَنَّ الجَوْهَرِيَّ صرّح بأَنَّ الكِذَّابَ ، المُشَدَّدَ ، مَصْدَرُ كَذَّبَ مُشَدَّداً ، لا مُخَفَّفاً ؛ وأَيّدهُ بآيةِ (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذّاباً) وظاهرُ المصنِّف أَنَّ كُلًّا من المُخَفَّف والمُشَدَّد ، يقالُ في المُخَفَّف. قلتُ : وهذا الّذي أَنكرهُ ، هو الّذي صَرَّحَ به ابْنُ منظورٍ في لسان العرب. ثُمَّ قال : ومنها أَنّ الجَوْهَرِيَّ زاد في المَصَادِرِ : تَكْذِبَةً كَتوصِيَة ، ومُكَذَّب ، كَمُمَزَّق ، بمعنى التَّكْذِيب. قلتُ : وزاد غيرُ الجَوْهَرِيِّ فِيها : كُذْباً كَقُفْلٍ ، وكَذْباً كضَرْبٍ ، وهذا الأَخيرُ غيرُ مسمُوعٍ ، ولكنَّ القياسَ يَقتضيهِ.
ثُمَّ قال : وهذا اللّفظُ خَصَّه بالتَّصْنيف فيه جماعةٌ ، منهم : أَبو بكر بْنُ الأَنباريّ ، والعلّامةُ أَحمدُ [بْنُ محمد] (٨) بْنِ
__________________
(١) في اللسان : لمزّق.
(٢) سورة البقرة الآية ١٦.
(٣) سورة يوسف الآية ١١٠.
(٤) قالت رضياللهعنها : استيأس الرسل ممن كذّبهم من قومهم أن يصدقوهم ، وظنت الرسل أن من قد آمن من قومهم قد كذبوهم ، جاءهم نصر الله.
(٥) الاساس : العرب.
(٦) في الاساس : كذب القوم السرى : إذا لم يقدروا عليه.
(٧) الحديث في النهاية واللسان ، ولم يرد له ذكر في الاساس.
(٨) زيادة عن اللباب.