قاسمِ بْن [أَحمدَ بْن (١) خِذيو (٢) ، الأَخْسِيكَتِي (٣) ، الحَنفيُّ ، المُلَقَّبُ بذي الفضائل ، ترجمتُه في البُغْيَةِ وفي طَبَقَات الحَنَفيّة للشيخ قاسم.
قال ابْنُ الأَنباريّ. إِنّ الكَذِبَ ينقسمُ إِلى خمسة أَقسام : إِحداهُنَّ تَغْيِيرُ الحاكي ما يَسمَعُ ، وقولُهُ ما لا يَعْلَمُ نقلاً ورِوَايَةً ، وهذا القسمُ هو الَّذي يُؤْثِمُ ويَهْدِمُ المُرُوءَةَ. الثّاني : أَنْ يقول قولاً يُشْبِهُ الكَذِبَ ، ولا يَقْصِد به إِلَّا الحَقَّ ، ومنهحديثُ : «كَذَبَ إِبراهِيمُ ثَلَاثَ كَذِباتٍ» ، أَي : قالَ قولاً يُشْبِهُ الكَذِبَ ، وهو صادقٌ في الثّلاث. الثّالثُ بمعنى الخَطَإِ ، وهو كثيرٌ في كلامهم. والرّابعُ البُطُولُ ، كَذَبَ الرَّجُلُ : بمعنى بَطَلَ عليه أَمَلُهُ وما رَجاهُ. الخامسُ بمعنى الإِغراءِ ، وقد تقدَّم بيانُه. وعلى الثّالث خَرَّجُوا حديثَ صَلاةِ الوِتْر «كَذَبَ أَبو محمَّد» ، أَي : أَخطأَ ، سمّاهُ كاذِباً (٤) ، لِأَنَّهُ شَبِيهُهُ في كَوْنِه ضِدَّ الصَّواب ، كما أَنَّ الكَذِبَ ضِدُّ الصِّدق وإِن افْتَرقا مِنْ حَيْثُ النِّيَّةُ والقَصْدُ ؛ لِأَنَّ الكاذبَ يعلَم أَنّ ما يقولُهُ كَذِبٌ ، والمُخْطِئَ لا يعلَمُ. وهذا الرَّجُلُ ليس بمُخْبِرٍ ، وإِنّما قاله باجتهاد أَدَّاهُ (٥) إِلى أَنَّ الوِتْرَ واجبٌ ، والاجتهادُ لا يدخُلُه الكَذِبُ ، وإِنّما يدخُلُه الخطأُ. وأَبو محمّدٍ الصَّحابُّي : اسمهُ مسعودُ بْنُ زَيْدٍ.
وفي التّوْشِيح : أَهلُ الحِجَاز ، يقولونَ : كَذَبْتَ بمعنى أَخطأْتَ ، وقد تَبِعَهم فيه بقيّةُ النّاس. وعلى الرّابع خَرَّجُوا قولَ اللهِ ، عزَّ وجَلَّ : (انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) (٦) : انظُرْ كيفَ (٧) بَطَلَ عليهم أَمَلُهُمْ ، وكذا قول أَبي طالبٍ :
كَذَبْتمْ وبَيْتِ الله نَبْزِي مُحَمَّداً |
ولَمَّا نُطاعِنْ حَوْلَهُ ونُناضِلِ (٨) |
وانظر بقيّة هذا الكلام في شرح شيخنا ، فإِنّه نفيس جدًّا.
ومن الأَمثال الّتي لم يذكُرْهَا المؤلِّفُ قولُهم : أَكْذِبِ النَّفْسَ إِذا حَدَّثْتَها.
أي : لا تُحَدِّثْ نفسَك بأَنّك لا تَظفَرُ ، فإِنّ ذلك يُثَبِّطُكَ.
سُئل بَشَّارٌ : أَيُّ بيتٍ قالته العربُ أَشْعَر؟ فقال : إِنّ تفضيلَ بيتٍ واحدٍ على الشِّعْر كُلِّه ، لَشَديدٌ. ولكنْ أَحْسَنَ لَبِيدٌ في قوله :
أَكْذِبِ (٩) النَّفْسَ إِذا حَدَّثْتَها |
إِنَّ صِدْقَ النَّفْسِ يُزْرِي بالأَمَلْ |
قاله المَيْدَانِيُّ ، وغيرُه ؛ ومنها :
كُلُّ امْرِئٍ بِطَوَالِ العَيْشِ مَكْذُوبُ(١٠)
ومنها عجز بيتٍ من شعر أَبي دُوَاد :
كَذَبَ العَيْرُ وإِنْ كانَ بَرَحْ
وأَوّلُهُ :
قُلْتُ لَمّا نَصَلَا من قُنَّة
وبعدَهُ :
وتَرَى خَلْفَهُمَا إِذْ مَصَعَا |
مِنْ غُبَارٍ ساطِعٍ فَوْقَ قُزَحْ |
كَذَب : أَي فَتَر وأَمْكَنَ ، ويجوز أَن يكون إِغراءً ، أَي : عليك الغَيْرَ ، فَصِدْهُ ، وإِنْ كان بَرَحَ ، يضرب للشّيْءِ يُرْجَى وإِنْ تَصَعَّبَ.
ثمّ نقل عن خطّ العلّامة نُورِ الدِّين العُسَيْليّ ما نصُّه : رأَيْتُ في نسخةِ شَجَرَةِ النَّسَب الشَّريف ، عند إِيرادِ
__________________
(١) عن المطبوعة الكويتية نقلاً عن معجم الأدباء.
(٢) بالأصل «خربو» وأثبتنا ما ورد في المطبوعة الكويتية.
(٣) في اللباب هذه النسبة إلى أخسيكث بالثاء المثلثة. الأخسيكثي : بفتح الألف وسكون الخاء المعجمة وكسر السين المهملة وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفتح الكاف وفي آخرها الثاء المثلثة. (اللباب).
(٤) في النهاية : كَذِباً.
(٥) عن النهاية. وبالأصل «أدلة» وأشار بهامش المطبوعة المصرية إلى ما ورد في النهاية.
(٦) سورة الانعام الآية ٢٤.
(٧) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله انظر على حذف أي التفسيرية.
(٨) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله نبزي ، بزا الرجل قهره وبطش به كأبزاه أفاده المجد».
(٩) بالأصل «وأكذب» وقد تقدم في المادة : «أكذب» وهو في ديوانه دون «واو».
(١٠) البيت لأخت عمرو ذي الكلب وعجزه كما في شرح أشعار الهذليين :
وكل من غالب الأيام مغلوبُ