رَسُول أَتاهُم صادِقاً فتَكَذَّبُوا |
عَلَيْهِ وقالوا : لستَ فينا بِماكِثِ |
وكاذَبْتُهُ مُكاذَبَةً ، وكِذَاباً : كَذَّبْتُه ، وكَذَّبَنِي.
وكَذَّبَ الرَّجُلَ تَكْذِيباً ، وكِذَّاباً : جَعَله كاذِباً ، وقال له : كَذَبْت.
وكذلك كَذَّبَ بالأَمْرِ تَكْذِيباً وكِذَّاباً بالتَّشْدِيد ، وكِذاباً ، بالتَّخْفِيف : أَنْكَرَهُ وفي التَّنْزيل العزيز : (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذّاباً) (١) ، وفيه : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذّاباً) (٢) أَي : كَذِباً ، عن اللِّحْيَانِيِّ.
قال الفَرّاءُ : خفَّفهما عَليّ بْنُ أَبي طالب جميعاً ، وثقَّلهما عاصمٌ وأَهلُ المدينة ، وهِيَ لُغَةٌ يمانِيَةٌ فصيحةٌ ، يقولونَ : كَذَّبْتُ به كِذَّاباً ، وخَرَّقْتُ القميصَ خِرَّاقاً ، وكذلك كُلّ فَعَّلتُ ، فمصدرُهَا فِعَّالٌ في لغتهم مشدّدة. قال : وقال لي أَعرابِيٌّ مَرّةً على المَرْوَةِ يستَفْتِينِي : الحَلْقُ أَحَبّ إِليك ، أَم القِصّارُ؟ وأَنشَدَ بعضُ بني كُلَيْبٍ :
لَقَدْ طالَ ما ثَبَّطْتَنِي عن صَحابَتِي |
وعَنْ حِوَجٍ قِضَّاؤُها من شِفائِيا (٣) |
قال الفَرّاءُ : كان الكسائِيّ يُخَفِّفُ لا يَسْمَعُونَ فيها لَغْواً ولا كِذاباً ، لأَنّها مُقَيّدةٌ بفعلٍ يُصَيِّرُها مصدراً ، ويُشَدّدُ (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذّاباً) ؛ لأَن كَذَّبوا يُقَيد (٤) الكِذَّابَ ، قال : والذي قال حَسَنٌ ، ومعناهُ : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً) ، أَي : باطِلاً ، (وَلا كِذّاباً) ، أَي : لا يُكَذِّبُ بعضُهم بعضاً (٥).
وكَذَّبَ فُلاناً تَكْذِيباً : أَخبَرَهُ أَنّهُ كاذِبٌ ، أَو جَعَلَهُ كاذِباً بأَنْ وصَفَه بالكَذِبِ. وقال الزَّجّاج : معنى كَذَّبْتُهُ ، قلتُ له : كَذَبْتَ ، ومعنى أَكْذَبْتُه : أَرَيْتُهُ أَنَّ ما أَتَى بِه كَذِبٌ ، وبه فُسِّر قولُه تعالَى : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) (٦) ، وقُرِئَ بالتَّخْفِيفِ (٧) ونَقَلَ الكِسائيُّ عن العرب : يقال : كَذَّبْتُ الرَّجُلَ تَكْذِيباً : إِذا نَسَبْتَهُ إِلى الكَذِب.
ومن المجاز : كَذَّبَ عن أَمْر قد أَرادَهُ. وفي لسان العرب : وأَرادَ أَمراً ثُمَّ كَذَّب عنه ، أَي : أَحْجَمَ.
وكَذَّبَ عَنْ فُلانٍ : رَدَّ عَنْهُ.
ومن المجَاز : كَذَّبَ الوَحْشِيُّ ، وكَذَبَ : جَرَى شَوْطاً ، فوَقَفَ (٨) لِيَنْظُرَ ما وَراءَهُ : هل هو مطلوب ، أَم لا؟
* وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه : في الصَّحاح : الكُذَّبُ ، جمع كاذِبٍ مثل راكعٍ ورُكَّع قال أَبو دُوَاد الرُّؤَاسِيُّ :
مَتَى يَقُلْ تنْفَعِ الأَقْوَامَ قَوْلَتُهُ |
إِذا اضْمَحَلَّ حَدِيثُ الكُذَّبِ الوَلَعَهْ (٩) |
والكُذُب : جمع كَذُوب ، مثل صَبُورٍ وصُبُرٍ ؛ ومنه قرأَ بعضُهُم (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ) (١٠) ، فجعله نعتاً للأَلْسنة. كذا في لسان العرب ، وزادَ شيخُنا في شرحه وقيل : هو جمع كاذب ، على خلاف القياس ، أَو جمعُ كِذَابٍ ، ككِتَاب : مصدرٌ وُصِفَ به مبالغةً ، قاله جماعةٌ مر أَهل اللُّغَةِ ، انتهى.
ورُؤْيَا كَذُوبٌ ، مثلُ (ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ) ، أَي : كَذُوبٌ صاحِبُها ، وقد تقدَّم الإِشارةُ إِليه. أَنشد ثعلب :
فَحَيَّتَ فحَيَّاهَا فهَبَّ فحَلَّقتْ |
مع النَّجْمِ رُؤْيَا في المَنَامِ كَذُوبُ |
والتَّكاذُبُ : ضِدُّ التَّصادُقِ.
وفي التَّنْزيل العزيز : (وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) (١١) رُوِيَ في التَّفْسِير : أَنَّ إِخْوَةَ يُوسُفَ ، عليهالسلام ، لَمَّا طَرَحوه في الجُبّ ، أَخَذُوا قَمِيصَهُ ، وذبَحُوا جَدْياً ، فلطَّخُوا القميصَ بدَمِ الجَدْيِ. فلما رأَى يعقوبُ ، عليهالسلام ، القميصَ ، قال كَذَبْتُم ، لو أَكَلَهُ الذِّئْبُ ،
__________________
(١) سورة النبأ الآية ٢٨.
(٢) سورة النبأ الآية ٣٥.
(٣) عجزه في الأصل وعن عوج قصادها من شفائيا. وما أثبتناه عن اللسان.
(٤) عن اللسان ، وبالأصل «يفيد».
(٥) زيد في التكملة «كُذَّابا» بضم الكاف وبالتشديد عن عمر بن عبد العزيز ، وقد مر ذلك أثناء المادة.
(٦) سورة الانعام الآية ٣٣.
(٧) قال الفراء : ومعنى التخفيف : لا يجعلونك كذابا وأن ما جئت به باطل. لأنهم لم يجربوا عليه كذباً فيكذبوه إنما أكذبوه أي قالوا : إن ما جئت به كذب لا يعرفونه من النبوة.
(٨) اللسان : ثم وقف.
(٩) الولعة جمع والع مثل كاتب وكتبة. والوالع : الكاذب.
(١٠) سورة النحل الآية ١١٦.
(١١) سورة يوسف الآية ١٨.