عن الفاعل. وقد حكى أَبو عُبَيْدٍ ، عن أَبي عُبَيْدَةَ ، عن أَعْرَابِيٍّ أَنَّه نَظَرَ إلى ناقةٍ نِضْوٍ (١) لِرَجُل ، فقال : كَذَبَ عَلَيْكَ البَزْرَ (٢) والنَّوَى. قال أَبو عبيد : لم يُسْمَعِ النَّصْبُ مع «كَذَب» في الإِغراءِ ، إِلّا في هذا الحرف ، قال أَبو بكر : وهذا شاذٌّ من القَول ، خارجٌ في النَّحْو عن مِنْهَاج القِياس ، مُلْحَقٌ بالشَّوَاذِّ الَّتي لا يُعَوَّلُ عليها ، ولا يُؤْخَذُ بها ؛ قال الشّاعرُ :
«كَذَب العَتِيقُ» (٣)
إِلى آخره ، معناه : الْزَمي العتيقَ ، وهذا الماءَ ، ولا تُطالِبِيني بغيرهما. والعتيقُ : مرفوعٌ لا غَيْرُ ، انتهى. وقد نقل أَبو حَيّان هذا الكلامَ في تَذْكِرته وفي شرح التَّسْهِيل ، وزاد فيه بأَنّ الّذي يَدُلُّ على رفع الأَسماءِ بعد «كَذَبَ» أَنَّه يتَّصل بها الضَّمير ، كما جاءَ في كلامِ [عُمَرَ] (٤) : ثلاثةُ أَسفارٍ ، كَذَبْنَ عليكم. وقال الشّاعرُ :
كَذَبْتُ عَلَيْكَ لا تَزالُ تَقُوفُنِي |
كما قافَ آثَارَ الوَسِيقَةِ قائِفُ |
معناه : عليكَ بي ، وهي مُغْزًى بها واتَّصلت بالفعل ، لأَنَّه لو تأَخّر الفاعلُ لَكَانَ منفصلاً ، وليس هذا من مواضع انفصاله. قلتُ : وهذا قولُ الأَصمعيّ : كما نقله أَبو عُبَيْد (٥) ، قال : إِنّما أَغراه بنَفْسِه ، أَي : عليكَ بي ، فجعل نَفْسَهُ في موضع رَفْعٍ ، أَلا تراهُ قد جاءَ بالتَّاءِ ، فجعَلَها اسْمَهُ. وقال أَبو سَعِيدٍ الضَّرِيرُ في هذا الشِّعر : أَي ظَنَنْتُ بك أَنّك لا تنامُ عن وِتْرِي ، فَكَذَبْتُ عَلَيْك. قال شيخُنا ، قلت : والصَّحيحُ جوازُ النَّصْبِ ، لِنَقْلِ العُلَمَاءِ أَنَّهُ لُغَةُ مُضَرَ ، والرَّفْعُ لُغَةُ اليَمَن ووجهُه مع الرَّفْعِ أَنّه من قَبِيلِ ما جاءَ من أَلفاظِ الخَبَر الّتي بمعنى الإِغْرَاءِ ، كما قال ابْنُ الشَّجَرِيّ في أَمالِيه : (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ) أَي آمِنُوا باللهِ ، ورحِمَهُ اللهُ : أَي اللهُمَّ ارْحَمْهُ ، وحَسْبُكَ زَيْدٌ : أَي اكْتَفِ به ؛ ووجهُهُ مع النَّصْبِ من باب سِرايَةِ المعنى إِلى اللَّفْظ ، فإِنَّ المُغْرَى به لَمّا كان مفعولاً في المعنى ، اتصلتْ به علامةُ النَّصب ، ليُطَابِقَ اللّفظُ المعنى. انتهى.
وفي لسان العرب ، بعدَ ما ذكَرَ قولَ عَنْتَرَةَ السّابقَ : أَي يقولُ لها : عليكِ بأَكْلِ العَتِيقِ ، وهو التَّمْرُ اليابُس ، وشُربِ الماءِ البارِدِ ، ولا تَتَعَرَّضِي لِغَبُوقِ اللَّبَنِ ، وهو شُرْبُه عَشِيًّا ؛ لِأَنَّ اللّبَنَ خَصَصْتُ به مُهْرِي الّذي أَنْتفع [به] (٦) ويُسَلِّمُني وإِيّاكِ [من أعدائي] (٦). وفي حَدِيث عُمَرَ : أَنَّ عَمْرَو بنَ مَعْدِ يكربَ شَكَا إِليه النِّقْرسَ فقال : «كَذَبتْكَ الظَّهَائِرُ ، أَي : عليكَ بالمشْي في الظَّهائر ، وهي جمعُ ظَهِيرَة ، [وهي شدة الحَرّ. وفي رواية «كذبَ عليك الظواهرُ» جمع ظاهِرَةٍ] (٧) وهي ما ظَهَرَ من الأَرض وارتفع. وفي حديثٍ له آخرَ : «أَنَّ عَمْرَو بْنَ مَعْدِيكرِبَ اشْتَكَى إِليه المَعَصَ ، فقال : «كَذَبَ عليكَ العَسَلُ» يريد : العَسَلانَ ، وهو مَشْيُ الذِّئبِ ، أَي : عليك بسُرْعة المَشْي. والمَعَصُ ، بالعين المهملة : الْتِواءٌ في عَصَب الرِّجْل. ومنهحديثُ عليٍّ : «كَذَبَتْكَ الحارِقَةُ» أَي : عليك بمثلها ، والحارِقَةُ : المرأَة التي تَغْلِبُهَا شَهوتُها ، وقيل : هي الضَّيِّقةُ الفَرْجِ (٨) قلتُ : وقرأْتُ في كتاب استدراك الغَلَط ، لِأَبِي عُبَيْدٍ القاسمِ بْنِ سَلَّامٍ ، قولَ مُعَقِّرِ بْنِ حِمَارٍ البارِقِيّ :
وذُبْيَانِيَّة أَوْصَتْ بَنِيها |
بأَنْ كَذَبَ القَراطِفُ والقُرُوفُ |
أَي : علَيْكم بها. والقَراطِف ، أَكْسِيَةٌ حُمْرٌ ، والقُروفُ : أَوْعِيَةٌ من جُلْد مدبوغٍ بالقِرْفَة ، بالكسر ، وهي قُشُورُ الرُمَّانِ (٩) ، فهي أَمَرَتْهُم أَن يُكْثِرُوا من نَهْبِ هذَيْنِ الشَّيئَيْنِ والإِكثارِ من أَخْذِهما إِنْ ظَفِرُوا ببنى نَمِرٍ ، وذلك لحاجتهم
__________________
(١) عن الهروي ، وبالأصل «نصف».
(٢) غريب الهروي ضبطت بالفتح ، وفي اللسان : البزرُ بالضم ، وفي نسخة اللسان دار المعارف بالفتح.
(٣) يريد بيت عنترة المتقدم.
(٤) زيادة اقتضاها سياق المعنى.
(٥) غريب الهروي ٢ / ٢٦.
(٦) زيادة عن اللسان ، ونبه على الأولى بهامش المطبوعة المصرية.
(٧) زيادة عن النهاية واللسان.
(٨) بهامش المطبوعة المصرية : «قال الجوهري : والحارقة من النساء الضيقة ، وفي حديث علي عليهالسلام : خير النساء الحارقة»
(٩) في اصلاح الغلط ص ٤٢ ـ ٤٣ : قال : القراطف والقطف ، والقروف أوعية الخل وغيره هكذا حدثناه أحمد بن سعيد وغيره ورأيت في بعض الكتب المسموعة : القروف الأوعية كأن صاحب هذا الكتاب فطن لهذا فحذف الخل ، وليس كل وعاء قرفاً ، وإنما القروف أوعية الخلع لا أوعية الخل ، وهي أوعية من جلود الإبل يجعل فيها لحم يخلع منه العظام ويرفع ، فقالت لبنيها : عليكم بالقراطف وهي القطف وعليكم بهذه الأوعية التي فيها اللحم فاغنموها ، ولا وجه لأوعية الخل في الغنائم».