الحديث «أَنه بَعَثَ أُمَّ سُلَيم لتَنْظُر لَهُ امرأَةً فقال : انْظُرِي إِلَى عَقِبَيْهَا أَو عُرْقُوبَيْهَا» قيل (١) لأَنَّه إِذا اسوَدَّ عَقِباهَا اسوَدَّ سَائِر جَسَدِها. وفي الحَدِيثِ «نَهَى عن عَقِب الشَّيْطان فِي الصَّلَاة» وهو أَن يَضَع أَلْيَتَيْه على عَقِبَيْهِ بَيْنَ السَّجْدَتَين (٢).
وفي حَدِيث عَلِيّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهُ صَلِّى الله تَعَالَى عَلَيْه وسَلّم : «يَا عَلِيُّ إِنّي أُحِبّ لَكَ ما أُحِبّ لنَفْسِي ، وأَكْرَه لَكَ ما أَكْرهُ لنَفْسِي ، لا تَقْرَأْ وأَنْتَ رَاكِعٌ ، ولا تُصَلِّ عَاقِصاً شَعْرَك ، ولا تُقْعِ على عَقِبَيْك في الصَّلاة فإِنها عَقِب الشَّيْطَانِ ، ولا تَعْبَث بالحَصى وأَنتَ في الصّلاة ، ولا تَفْتَح على الإمام». وفي الحديث : «ويلٌ للعَقِبِ من النَّار ، وَوَيْلٌ للأَعْقَابِ من النَّارِ».
قال ابن الأَثِيرِ : وإِنْمَا خَصَّ العَقِبَ بالعَذَابِ ؛ لأَنَّه العُضْوُ الذي لم يُغْسَل. وقيل : أَرادَ صَاحِب العَقِب ، فحذَفَ المُضَاف ؛ [وإِنما قال ذلك لأَنهم كانوا لا يستقْصُونَ غَسْلَ أَرجُلِهم في الوضوءِ] (٣) وَجَمْعُها أَعْقَابٌ أعْقُبٌ. أَنْشَد ابْنُ الأَعْرَابيِّ :
فُرُقَ المَقَادِيم قِصَارَ الأَعْقُبِ
والعَقَب : بالتَّحْرِيك : العَصَبُ الَّذِي تُعْمَلُ منه الأَوْتَارُ الواحِدَة عَقَبَة. وفي الحَدِيثِ «أَنّه مَضَغَ عَقَباً وهو صَائِم».
قال ابنُ الأَثِيرِ : هو بفَتْح القَافِ : العَصَبُ. والعَقَبُ من كُلِّ شيءٍ : عَصَبُ المَتْنَيْن والسَّاقَيْن الوَظِيفَيْن يَخْتَلِط باللَّحْم يُمْشَق منه مَشْقاً ويُهذَّبُ ويُنَفَّى من اللَّحْم ويُسَوَّى منه الوَتَر.
وقد يكون في جَنْبَيِ البَعِير. والعَصَبُ : العِلْبَاءُ الغَلِيظ ولا خَيْرَ فِيهِ. وأَما العَقْب (٤) مُؤَخَّر القدم فَهُو مِنَ العَصَب لا مِنَ العَقَب. وفرق ما بَين العَصَب والعَقَب أَن العَصَب يَضْربُ إِلى الصُّفْرَة ، والعَقَب يَضْرِب إِلى البَيَاضِ وهو أَصلَبُهما وأَمْتَنُهُمَا (٥) ، وقال أَبو حنيفة : قال أَبو زياد : العَقَبُ : عَقَبُ المَتْنَيْن من الشَّاهة والبَعِيرِ والنَّاقَةِ والبَقَرةِ.
وعَقَبَ الشيءَ يَعْقِبُه ويَعْقُبُه عَقْباً ، وعَقَّبَه : شَدَّه بعَقَبٍ.
وعَقَب الخَوْقَ وهو حَلْقَةُ القُرْطِ يَعْقُبه عَقْباً : خَاف أَن يَزِيغَ فشَدَّه بِعَقَب (٦) وعَقَب السهمَ والقِدْحَ والقَوْسَ عَقْباً إِذا لَوَى شَيْئاً مِنْهَا عَلَيْهَا (٧) ، قال دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّة :
وأَسمَرَ مِنْ قِدَاحِ النَّبُعِ فَرْعٍ |
به عَلَمَانِ من عَقَبٍ وضَرْسِ |
في لِسَانِ العَرَب قال ابنُ بَرِّيّ : صوابُ هَذَا البَيْت : وأَصْفَرَ من قِدَاحِ النَّبْع ، لأَنَّ سهامَ المَيْسِر تُوصَفُ بالصُّفرة ، كقَوْل طَرَفَةَ :
وأَصفرَ مَضْبُوح نظرتُ حُوَارَه |
على النارِ واستَوْدَعْتُه كَفَّ مُجْمِدِ |
ثم قال : وعَقَبَ قِدْحَه (٨) يَعْقُبه عَقْباً : انْكَسَرَ فشَدَّه بعَقَبٍ.
والعَاقِبَةُ : مصدر عَقَب مكانَ أَبيه يَعْقُب ، والوَلَدُ. يقال : ليست لفلان عاقبَةٌ ، أَي ليسَ له وَلَدٌ ، فهو كالعَقْب والعَقِب الماضي ذِكرُهما ، والجَمْع أَعْقَاب. وكُلُّ من خَلَفَ بَعدَ شيْء فهو عاقِبَةٌ وعَاقِب له ، وهو اسم جاءَ بَمَعْنَى المَصْدِ كقوله تعالى (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) (٩) والعَقْبُ والعَاقِب والعَاقِبَة والعُقْبَة بالضم والعُقْبَى والعَقِب كَكَتِف والعُقْبَان بالضم : آخر كُلِّ شَيْءٍ. قال خالدُ بنُ زُهَيرْ :
فإِن كُنْتَ تَشْكُو من خَلِيلٍ مَخَافَةً |
فتِلْكَ الجَوَازِي عَقْبُها ونُصُورُهَا (١٠) |
يقول : حَدِّثْنَا بما فعلْتَ بِابْن (١١) عُوَيْمِر ، والجمع العَوَاقِب والعُقُب والعُقْبَان والعُقْبَى بضَمِّهما كالعَاقبَة. وقالوا : العُقْبَى لَكَ في الخَيْر ، أَي العَاقبَة. وفي التَّنْزِيل (وَلا يَخافُ عُقْباها) (١٢) قال ثَعْلَب : معناه لا يَخَافُ اللهُ عَزّ وَجَلَّ عاقِبَةَ ما فَعل (١٣) أَي أَن يُرْجع عليه في العَاقِبَة كما نَخَافُ نَحْنُ.
وفي لسان العرب : جِئتُك في عَقِب الشَّهْرِ ، أَي كَكَتِف ،
__________________
(١) عن النهاية ، وبالأصل «فقيل».
(٢) يعني الذي يجعله بعض الناس الإقعاء. وقيل في معناه : هو أن يترك عقبيه غير مغسولين في الوضوء.
(٣) زيادة عن النهاية واللسان.
(٤) في اللسان : العَقَبُ.
(٥) في اللسان : أصلبها وأمتنها.
(٦) هذا من العُقاب. وسيأتي.
(٧) في اللسان : شيئاً من العقب عليه.
(٨) بالأصل : «وعقب قدحه بالعقب يعقبه» وما أثبتناه عن اللسان.
(٩) سورة الواقعة الآية ٢.
(١٠) «ونصورها» عن اللسان ، وبالأصل «ونهورها».
(١١) عن اللسان ، وبالأصل «يا ابن».
(١٢) سورة الشمس الآية ١٥.
(١٣) عن اللسان ، وبالأصل «عقبان».