فصيغ الأفعال في الآية الأولي صيغ أمر ونهي محض وصريح لا دلالة فيهما على غير هذا قطعاً وليس الأمر كذلك في الآية الثالثة فدلالة الأمر والنهي في قوله : (آتنا) (ولا تحزنا) لانحمل منهما إلاّ ما يلحق الأوامر من الحركات أما دلالتها الحقيقة فهي الدعاء الصادر بتلطّف وخضوع ورغبة تملأ الوجدان بفيض من طلب النجاة والخلاص في ذلك اليوم إذا فليس في الآية الأخيرة أي معنى من معاني الأمر أو دلالة من دلالاته وعلى ذلك ومن الأقل ـ فيما يتعلق بكتاب الله العزيز يجريعليها ما يجري على فعل الأمر والفعل المضارع من الحالات والأحكام الإعرابية فهذا أبلغ لمراد المتكلم وأمكن لفهم السامع وأنسب لأدب الخطاب ومقاصده وكيفية تولّد دلالاته من مصدر واحد ولم أجد ـ فيما اطلعت عليه ـ إشارة إلى ذلك عند البلاغيين وكأنّهم قد تجاهلوا ذلك وتناسوه وهومن جواهر كنوزهم الدلالية التي ما فتئوا يجلونها ويظهرونها ولم يتعرّض غير البلاغيين إلى ذلك اللهّم إلاّ الزركشي إذ يؤكد على أنّ الفعل في قوله تعالى : ( ... اغفر لنا ... ) (١) وقوله تعالى : ( ... اهدنا ... ) (٢) « فعلا دعاء أو سؤال ولا تقول فعلي أمر تأدّباً من جهة أن والأمر يستلزم العو والاستعلاء » (٣) وما ذهبنا إليه لا يعني إغفال أصل الدعاء وتولّده من الأمر والنهي فقد أشرنا إلي ذلك مسبقاً ولكن ما نريد أن نوضحه هو إنّ الفعل (اغفر) فعل دعاء والدعاء يصدر من الأمر والنهي لا أن نقول فعل أمر أفاد معنى الدعاء والفرق بين القولين لا يمكن إخاؤه لدلالة الواضحة.
__________________
(١) سورة الحشر : ٥٩ / ١٠.
(٢) سورة الفاتحة : ١ / ٦.
(٣) البرهان / الزركشي ٣٠٦ : ١.