فإنّك تلحظ في تكرار تضرعه بلفظ ( ربّنا ) شعوراً بمدى معاناته منهم وحرصاً على تأكيد إهلاكهم لأنّهم قابلوا آيات الله وتحذيره ووعظه لهم بزيادة الكفر والضلال فعظهم و « اشتدّ غضبه عليهم وأفرط في مقته وكراهيته لحالهم فدعا الله عليهم بما علم أنّه لا يكون غيره » (١).
وممّا يعطي لسياق الدعاء قوّة مجيئه مكرّراً بلفظ ( اطمس ) و ( اشدد ) فضلاً عمّا في طلب الإيمان لهم بعد أن يروا العذاب. ليكن ذلك عذاباً آخر لهم وحسرة في قلوبهم على ترك الإيمان وهجر الحقّ والله أعلم.
دعاء زكريا :
ارتكز دعاء زكريا في مواضعه الثلاثه التي ورد فيها على طلب الذريّة الطيّبة ولم يخرج دعاؤه لغير ذلك على الإطلاق. قال تعالى : ( هنالك دعا زكريّا ربّه قال ربّ هب لي لدنك ذرّيّةً إنّك سميع الدّعاء ) (٢).
ومن اللطيف أن تعددّ طرائق التعبير من موضع لآخر في سؤاله الخلف الصالح ففي الآية السابقة جاء الدعاء مباشراً من دون أن يبيّن وهن عظامه وثورة الشيب في رأسه كما أوضع ذلك في سورة مريم قال تعالى : ( ذكر رحمة ربّك عبده زكريّا * إذ نادى ربّه نداءً خفيّاً * قال ربّ إنّي وهن العظم منّي واشتعل الرّاس شيباً ولم أكن بدعائك ربّ شقيّاً * وإنّي خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقراً فهب لي من لدنك وليّاً * يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربّ رضيّاً ) (٣).
__________________
(١) الكشاف ٣٦٥ : ٢.
(٢) سورة آل عمران : ٣ / ٣٨.
(٣) سورة مريم : ١٩ / ٢ ـ ٦.