لها في خلقه تقتضي تواتره مهما كانت هناك موانع تمنع من نقله ، على ان لائمة أهل البيت طرقا تمثل الحكمة في بثه واشاعته.
٤ ـ وحسبك منها ما قام به امير المؤمنين ايام خلافته ، إذ جمع الناس في الرحبة فقال : « أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، يقول يوم غدير خم ما قال ، إلا قام فشهد بما سمع ، ولا يقم الا من رآه بعينيه وسمعه بأذنيه ، فقام ثلاثون صحابيا فيهم اثنا عشر بدريا ، فشهدوا أنه اخذ بيده ، فقال للناس : أتعلمون اني أولى بالمؤمنين من انفسهم؟ قالوا : نعم ، قال صلى الله عليه وآله : من كنت مولاه ، فهذا مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه .... الحديث (٦٣١). وانت تعلم ان تواطؤ الثلاثين صحابيا على الكذب مما يمنعه العقل ، فحصول التواتر بمجرد شهادتهم اذن قطعي لا ريب فيه ، وقد حمل هذا الحديث ، عنهم كل من كان في الرحبة من تلك الجموع ، فبثوه بعد تفرقهم في البلاد ، فطار كل مطير ، ولا يخفى أن يوم الرحبة إنما كان في خلافة امير المؤمنين ، وقد بويع سنة خمس وثلاثين ، ويوم الغدير انما كان في حجة الوداع سنة عشر ، فبين اليومين ـ في أقل الصور ـ خمس وعشرون سنة ، كان في خلالها طاعون عمواس ، وحروب الفتوحات والغزوات على عهد الخلفاء الثلاثة ، وهذه المدة ـ وهي ربع قرن ـ بمجرد طولها وبحروبها وغاراتها ، وبطاعون عمواسها الجارف ، قد أفنت جل من شهد يوم الغدير من شيوخ الصحابة وكهولهم ، ومن فتيانهم المتسرعين ـ في الجهاد ـ إلى لقاء الله عزوجل ، ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى لم يبق منهم حيا بالنسبة إلى من مات إلا
____________________________________
(٦٣١) يوجد في : ترجمة الامام علي بن ابي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج ٢ ص ٧ ح ٥٠٣ ط بيروت مع اختلاف يسير.