إِن في رُوَاته حسيناً (١) الجُعْفيّ وليس من شرطهما ، ولذا ضَعَّفه جماعَةٌ من القُرَّاءِ والمُحَدِّثين ، وله طَرِيق آخرُ مُنقطِع ، رواه أَبو عُبَيد : حَدَّثنا مُحمدُ بن سَعْدٍ عن حَمْزَة الزَّياتِ عن حُمْران بن أَعْيَنَ أَن رجلاً فذكره ، وبه استدَلَّ الزركشيُّ أَن المختارَ في النَّبِيّ تَرْكُ الهمزِ مُطلقاً ، والذي صرَّح به الجوهريُّ والصاغاني ، بأَن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إِنما أَنكره لأَنه أَراد يا مَنْ خَرَج من مكة إِلى المدينة ، لا لكونه لم يكن من لُغته ، كما توهَّموا ، ويؤيده قوله تعالى : (لا تَقُولُوا راعِنا) (٢) فإِنهم إِنما نُهُوا عن ذلك لأَن اليهودَ كانوا يَقْصِدون استعمالَه مِن الرُّعونة ، لا من الرِّعاية ، قاله شيخُنا ، وقال سيبويه : الهمزُ في النبيِّ لغةٌ رديئة ، يعني لِقِلّة استعمالها ، لا لأَنّ القِياس يمنع من ذلك ، أَلَا تَرَى إِلى قول سيِّدنا رسولِ الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد قيل له يا نَبِيءَ اللهَ فقالَ له : «إِنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لا نَنْبِرُ ، ويروى : لا تَنْبزْ (*) باسمي كذا في النُّسخ الموجودة ، من النَّبَزِ وهو اللَّقَب ، أَي لا تَجْعَل لاسمي لَقَباً تَقْصِدُ به غيرَ الظاهر. والصواب : لا تَنْبِرْ ، بالراءِ أَي لا تَهْمِزْ ، كما سيأْتي فإِنّما أَنَا نبيُّ اللهِ ، أَي بغير همزٍ وفي رواية فقال : «لَسْتُ بِنَبِيءِ الله ولكن نبِيُّ الله ، وذلك أَنه عليه الصلاة والسلام أَنكر الهمز في اسمه ، فرَدَّه على قائله ، لأَنه لم يَدْرِ بما سمَّاه ، فأَشفق أَن يُمْسكَ على ذلك ، وفيه شيء يتعلَّق بالشرْع ، فيكون بالإِمساك عنه مُبِيحَ مَحْظورٍ أَو حاظِرَ مُباحٍ. كذا في اللسان ، قال أَبو عليّ الفارسيّ : وينبغي أَن تكون روايةُ إِنكارِه غيرَ صحيحةِ عنه عليهالسلام ، لأَن بعض شُعرائه وهو العبَّاسُ بنُ مِرْداسٍ السُّلَمِيُّ قال : «يَا خَاتَمَ النُّبَآءِ» (٣) ولم يَرِدْ عنه إِنكارُه لذلك ، فتأَمَّل.
والنَّبِيءُ على فَعِيل : الطريقُ الواضِحُ يُهمز ولا يُهمز ، وقد ذكره المصنف أَيضاً في المعتلّ ، كما سيأْتي ، قال شيخنا : قيل : ومنه أُخذ الرَّسُول ، لأَنه الطريقُ المُوَضِّحُ المُوَصِّلُ إِلى الله تعالى ، كما قالوا في : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (٤) هو محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كما في الشِّفَا وشُرُوحه. قلت : وهو مفهومُ كلامِ الكِسائيّ» فإِنه قال : النَّبِيءُ : الطريقُ ، والأَنْبِياءُ : طُرُق الهُدى. والنبيءُ : المكانُ المرتفِعُ الناشِزُ المُحْدَوْدِبُ يُهمَزُ ولا يُهْمَز كالنَّابئ وذكره ابنُ الأَثير في المُعتلّ ، وفي لسان العرب نَبَأَ نَبْأً ونُبُوءاً إِذا ارتفع ومنه ما وَردَ في بعض الأَخبار وهي من الأَحاديث التي لا طُرُقَ لها لا تُصَلُّوا عَلَى النَّبِيءِ بالهمز ، أَي المكانِ المُرْتَفع المُحْدَوْدِب ، ومما يُحَاجَى به : صَلُّوا على النَّبِي ، ولا تُصَلُّوا على النَّبِيء ، وغلط المُلَّا عليّ في ناموسه ، إِذ وَهَّم المَجْدَ في ذِكْرِه في المهموز ، اغترَاراً بابنِ الأَثير ، وظَنًّا أَنه من النَّبْوة بمعنى الارتفاع ، وقد نبَّه على ذلك شيخُنا في شرحه والنَّبْأَةُ : النَّشْزُ في الأَرض ، و : الصَّوْتُ الخَفِيُّ أَو الخَفِيف ، قال ذو الرُّمَّة :
وقدْ تَوَجَّسَ رِكْزاً مُقْفِرٌ نَدُسٌ |
|
بِنَبْأَةِ الصَّوْتِ مَا فِي سَمْعِهِ كَذِبُ |
الرِّكْزُ : الصَّوْتُ ، والمُقْفِرُ : أَخو القَفْرَةِ ، يريد الصائد. والنَّدُسُ : الفَطِنُ وفي التهذيب : النَّبْأَةُ : الصوت ليس بالشديد ، قال الشاعر :
آنَسَتْ نَبَأَةً وَأَفْزَعَهَا الْقَنَّ |
|
اصُ قَصْراً وَقَدْ دَنَا الإِمْسَاءُ |
أَرادَ صَاحِبَ نَبْأَةٍ أَو النَّبْأَة صَوْتُ الكِلابِ قال الحَرِيرِيّ في مقاماته : فسمِعنا نَبْأَة مُسْتَنْبِح ، ثم تَلَتْهَا صَكَّةُ مُسْتَفْتِح ، وقيل : هي الجَرْسُ أَيًّا كان ، وقد نَبَأَ الكلب كمَنَعَ نَبْأً.
ونُبَيْئَةُ بالضم كجُهَيْنَةَ بنُ الأَسْوَدِ العُذْرِيّ وضبطه الحافظ هكذا ، وقال : هو زَوْج بُثَيْنَة العُذْرِيَّة صاحِبةِ جَمِيلِ بن مَعْمَرٍ ، وابنُه سَعِيدُ بنُ نُبَيْئَةَ ، جاءَت عنه حِكاياتٌ ، وتَصغير النَّبِيءِ نُبَيِّئ مِثال نُبَيِّع ويقولون في التصغير كانت نُبَيِّئَةُ مُسَيْلِمَةَ مِثال نُبَيْعَة ، نُبَيِّئَةَ سَوْءٍ تصغيرُ النُّبُوءَةِ وكان نُبَيِّئَ سَوْءٍ بالفتح ، وهو تَصْغِير نَبِىءٍ بالهمز ، قال ابن بَرِّيّ : الذي ذكره سيبويهِ : كان مُسَيْلِمَة نُبُوَّتُه (٥) نُبَيِّئَةَ سَوْءٍ ، فذكر الأَوَّل غيرَ مُصَغَّرٍ ولا مهموز ، لِيُبَيِّن أَنهم قد همزوه في التصغير وإِن لم يكن مهموزاً في التكبير ، قال
__________________
(١) بالأصل : «حسين» تحريف.
(٢) سورة البقرة الآية ١٠٤.
(*) في القاموس : حاشية : قوله : لا تنبز باسمي هو بالراء المهملة بمعنى لا تهمز باسمي وأورد الحديث في لسان العرب في مادة ن ب ر بالمهملة فما وقع في الطبعات السابقة بالزاي تصحيف فاحذره ـ اه ـ.
(٣) إشارة إلى قوله :
يا خاتم النبآء إنك مرسل |
|
بالخير كل هدى السبيل هداكا |
إن الإله ثنى عليك محبة |
|
في خلقه ومحمداً سماكا |
(٤) سورة الفاتحة الآية ٦.
(٥) اللسان : كانت نبوة مسيلمة نُبيئة سوء.