وأَنْبَاء كَشهِيدٍ وأَشْهَادٍ ، قال شيخنا وخُرِّجتْ عليه آياتٌ مَبْحُوثٌ فيها ، والنَّبِيئونَ جمعُ سَلامةٍ ، قال الزجَّاجُ القِراءَةُ المُجْمَع عليها في النَّبِيِّينَ والأَنْبِياءِ طَرْحُ الهَمْزِ ، وقد همز جَماعةٌ من أَهل المدينة جميعَ ما في القرآن من هذا ، واشتقاقُه من نَبأَ وأَنبأَ ، أَي أَخبر ، قال : والأُجودُ تَرْكُ الهمز ، انتهى. والاسمُ النُّبُوءَةُ بالهمز ، وقد يُسَهَّل ، وقد يُبْدَل وَاواً ويُدْغم فيها ، قال الراغب : النُّبُوَّةُ : سِفارَةٌ بين اللهِ عزوجل وبين ذَوِي العُقولِ الزَّكِيَّة [من عباده] (١) لإِزَاحَةِ عِلَلِهَا.
وَتَنَبَّأَ بالهمز على الاتفاق ، ويقال تَبَنَّى ، إِذا ادَّعَاها أَي النُّبُوَّةَ ، كما تَنَبَّى مُسَيْلِمَةُ الكَذَّاب وغيرُه من الدجَّالين ، قال الراغب : وكان من حَقّ لفظه في وضْع اللغةِ أَن يَصِحّ استعمالُه في النَّبِيءِ إِذا هو مُطَاوع نَبَّأَ كقوله زَيَّنَه فتَزَيَّنَ وحَلَّاه فَتَحلَّى (٢) لكن لمَّا تُعُورفَ فيمن يَدَّعي النُبوَّة كَذِباً جُنِّبَ استعْمَالُه في المُحِقّ ولم يُسْتَعْمَل إِلَّا في المُتَقَوِّل في دَعْوَاهُ. ومنه المُتَنَبِّئُ أَبو الطَّيِّبِ الشاعرُ أَحمدُ بنُ الحُسين بن عبد الصمد الجُعْفِيّ الكِنْدِيّ ، وقيل مَوْلَاهم ، أَصلُه من الكُوفة خَرَج إِلى بَني كَلْب ابن وَبرَة من قُضَاعة بأَرض السَّمَاوَة ، وتَبِعه خلْقٌ كثيرٌ ، ووضع لهم أَكاذيبَ وادَّعَى أَوَّلاً أَنَّه حَسَنِيّ النسب ثم ادَّعَى النُّبُوَّةَ فشُهِدَ بالضم عليه بالشأْم يعني دِمَشْقَ وحُبِسَ دَهْراً بِحِمْصَ حين أَسرَه الأَميرُ لُؤْلُؤٌ نائب الإِخشيد بها ، وفَرَّق أَصحابَه ، وادَّعى عليه بما زَعمه فأَنكر ثُمَّ اسْتُتِيبَ وكَذَّب نَفْسه وأُطْلِقَ من الحَبْس وطَلَب الشِّعْرَ فقاله وأجاد ، وفاقَ أَهلَ عَصْرِه ، واتصلَ بِسَيْفِ الدَّوْلَةِ بنِ حَمْدَانَ ، فمدَحه ، وسار إِلى عَضُد الدَّوْلَة بفارِس ، فمدحه ، ثم عاد إِلى بغدادَ فقُتِل في الطّريق بقُرْبِ النَّعْمَانية سنة ٣٥٤ في قِصّةٍ طويلةٍ مَذكورة في مَحلّها ، وقيل : إِنما لُقِّب بهِ لِقُوَّة فَصاحَته ، وشِدَّةِ بلاغته ، وكَمَالِ مَعرفته ، ولذا قيل :
لَمْ يَرَ النَّاسُ ثَانِيَ المُتَنَبِّي |
|
أَيُّ ثَانٍ يُرَى لِبِكْر الزَّمَانِ |
هُوَ فِي شِعْرِه نَبِيٌّ ولكِنْ |
|
ظَهَرَتْ مُعْجِزَاتُه فِي المَعَانِي |
وكانوا يُسمُّونه حَكيمَ الشعراءِ ، والذي قَرَأْتُ في شَرْحِ الواحدي نقلاً عن ابنِ جِنّي أَنه إِنما لُقِّب بقوله :
أَنا فِي أُمَّةٍ تَدَارَكَها اللهُ |
|
غَرِيبٌ كَصَالِحٍ فِي ثَمُودِ |
ونَبَأَ كمنَع نَبْأً ونُبُوءاً : ارتفع قال الفَرَّاء : النَّبِيُّ هو من أَنْبأَ عن الله ، فتُرِك همزُه ، قال : وإِن أُخِذَت (٣) من النُّبُوَّة والنَّبَاوَة وهي الارتفاع (٤) أَي أَنه أَشرف على سائر الخَلْق فأَصله غير الهمز.
ونَبَأَ عليهم يَنْبَأُ نَبْأً ونُبُوءاً : هَجَم وطَلَعَ وكذلك نَبَهَ ونَبَعَ ، كلاهما على البدل ، ونَبَأْتُ على القوم نَبْأً إِذا اطَّلَعْت (٥) عليهم ، ويقال : نَبَأَ مِنْ أَرْضٍ إِلى أَرْض أُخْرَى أَي خرَج مِنْها إِليها. والنَّابِئُ : الثورُ الذي يَنْبَأُ من أَرضٍ إِلى أَرْض ، أَي يَخْرُج ، قال عَدِيُّ بنُ زيْدٍ يَصِفُ فَرَساً :
وَلَهُ النَّعْجَةُ المرِيُّ تُجَاهَ الرّ |
|
كْبِ عِدْلاً بِالنَّابِئ المِحْرَاقِ (٦) |
أَراد بالنابئ ثَوْراً خَرَج من بَلدٍ إِلى بلد ، يقال : نَبَأَ وطَرَأَ ونَشِطَ ، إِذا خرَج من بَلدٍ إِلى بلدٍ ، وسَيْلٌ نَابِئ : جاءَ من بلدٍ آخَرَ ، ورجلٌ نابِئ ، أَي طارئ من حيث لا يُدْرَى ، كذا في الأَساس ، قال الأَخطل :
أَلَا فَاسْقِيَانِي وَانْفِيَا عَنِّيَ القَذَى |
|
فَلَيْسَ القَذَى بِالعُودِ يَسْقُطُ في الخَمْرِ |
وَلَيْسَ قَذَاهَا بِالَّذِي قَدْ يَرِيبُهَا |
|
وَلَا بذِبَابٍ نَزْعُهُ أَيْسَرُ الأَمْرِ |
وَلكِنْ قَذَاهَا كُلُّ أَشْعَثَ نَابِئ |
|
أَتَتْنَا بِهِ الأَقْدَارُ مِنْ حَيْثُ لا نَدْرِي |
ومِن هنا ما جاءَ في حَدِيثٍ أَخرَجه الحاكمُ في المُستَدرك ، عن أَبي الأَسود ، عن أَبي ذَرٍّ وقال إِنه صحيح على شَرْط الشيخين قولُ الأَعرابيّ له صلىاللهعليهوآلهوسلم يا نَبِيءَ الله ، بالهمز ، أَي الخارِجَ من مَكَّة إِلى المدينة فحينئذ أَنكَره أَي الهمز عليه على الأعرابيّ ، لأَنه ليس من لُغة قُرَيْش ، وقيل :
__________________
(١) عن مفردات الراغب.
(٢) زيد عند الأصفهاني : وجمّلَه فتجمّل.
(٣) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله وان أخذت» لعله أخذ بدليل قوله «فأصله» وفي اللسان : أُخِذَ.
(٤) زيد في اللسان : عن الأرض.
(٥) الصحاح : طلعت.
(٦) اللسان : المخراق.