قلت : وهو أَي الإِكفاء أَحَدُ عيُوبِ القافية السّتَّة التي هي : الإِيطاءُ ، والتَّضمينُ ، والإِقواءُ ، والإِصرافُ ، والإِكفاءُ ، والسِّنادُ ، وفي بعض شُروح الكافي : الإِكفاءُ هو اختلافُ الرَّوِيِّ بحُروفٍ مُتَقَارِبَةِ المخارج ، أَي كالطَّاءِ مع الدَّالِ ، كقوله :
إِذَا رَكِبْتُ فاجْعلاني وَسَطَا |
|
إِنِّي كَبِيرٌ لَا أُطِيقُ العُنَّدَا |
يريد العُنَّتَ ، وهو من أَقبح العيوب ، ولا يجوز لأَحد من المُحدَثين ارتكابه ، وفي الأَساس : ومن المجاز : أَكْفَأَ في الشِّعْرِ : قَلَب حَرْفَ الرَّوِيِّ من راءٍ إِلى لامٍ ، أَو لامٍ إِلى ميمٍ ، [ونحوِه من الحروفِ المُتقارِبةِ المَخْرَجِ ، أَو مخالفةِ إِعرابِ القوافي] (١) ، انتهى. أَوْ أَكفأَ في الشعر إِذا أَقْوَى فيكونان مُتَرادِفَيْنِ ، نقله الأَخفشُ عن الخَليل وابن عبدِ الحَقّ الإِشْبِيلي في الواعي وابن طريف في الأَفعال ، قيل : هما واحد ، زاد في الواعي : وهو قَلْبُه القافية من الجَرِّ إِلى الرفع وما أَشبه ذاك ، مأْخوذٌ من كَفَأْتُ الإِناء : قَلَبْتُه ، قال الشاعر [النابغة الذبياني] :
أَفِدَ التَّرَحُّلُ غَيْرَ أَنَّ رِكَابَنَا (٢) |
|
لَمَّا تَزُلْ بِرِحَالِنَا وَكَأَنْ قَدِ |
زَعَمَ الغُدَافُ بِأَنَّ رِحْلَتَنَا غَداً |
|
وَبِذَاكَ أَخْبَرَنا الغُدَافُ الأَسْوَدُ |
وقال أَبو عُبيدٍ البكريُّ في فَصْلِ المَقال : الإِكفاءُ في الشعر إِذا قُلْتَ بَيْتاً مرفوعاً وآخرَ مخفوضاً ، كقول الشاعر :
وهَلْ هِنْدُ إِلَّا مُهْرَةٌ عَرَبِيَّةٌ |
|
سَلِيلَةُ أَفْرَاسٍ تَجَلَّلَها بَغْلُ (٣) |
فَإِن نُتِجَتْ مُهْراً كَرِيماً فَبِالْحَرَى |
|
وَإِنْ يَكُ إِقْرَافٌ فَمِنْ قِبَلِ الفَحْلِ |
أَوْ أَفْسَدَ في آخِرِ البَيْتِ أَيَّ إِفْسَادٍ كانَ قال الأَخفش : وسأَلت العربَ الفُصحاءَ عنه (٤) ، فإِذا هم يَجعلونه الفسادَ في آخرِ البيت والاختلافَ ، من غير أَن يَحُدُّوا في ذلك شيئاً ، إِلا أَني رأَيتُ بعضَهم يَجعله اختلافَ الحروفِ ، فأَنشدته :
كَأَنَّ فَا قَارُورَةٍ لم تُعْفَصِ |
|
مِنْها حِجَاجَا مُقْلَةٍ لَمْ تُلْخَصِ |
كَأَنَّ صِيرَانَ المَهَا المُنَقِّزِ |
فقال : هذا هو الإِكفاءُ ، قال : وأَنشده آخرُ قَوافِيَ على حُروفٍ مُختلفةٍ ، فعَابِه ، ولا أَعلمه إِلَّا قال له : قد أَكْفَأْتَ. وحكى الجوهريُّ عن الفرَّاءِ : أَكفَأَ الشاعرُ ، إِذا خالف بين حَركات الرَّويِّ ، وهو مِثْلُ الإِقواءِ ، قال ابنُ جِنّي : إِذا كان الإِكفاءُ في الشّعْرِ محمولاً على الإِكفاء في غيرِه ، وكان وَضْعُ الإِكفاء إِنما هو للخلافِ ووقوعِ الشيْءِ على غيرِ وَجْهِهِ لمْ يُنْكَرْ أَنْ يُسَمُّوا به الإِقواءَ في اختلافِ حرف الرَّوِيّ (٥) جميعاً ، لأَن كلَّ واحدٍ منهما واقعٌ على غيرِ استواءٍ ، قال الأَخفش : إِلا أَني رأَيتهم إِذا قَرُبتْ مَخَارجُ الحُروف ، أَو كانت من مَخرَجٍ واحدٍ ثم اشتَدَّ تَشابُهُهَا لم يَفْطُنْ (٦) لها عَامَّتُهم ، يعني عامَّةَ العربِ ، وقد عاب الشيخُ أَبو محمد بن بَرِّيٍّ على الجوهريِّ قولَه : الإِكفاءُ في الشعر : أَن يُخالَفَ بين قَوَافِيه فتَجْعَل (٧) بعضَها ميماً وبعضَها طاءً ، فقال : صوابُ هذا أَن يقول : وبعضَها نُوناً ، لأَن الإِكفاءَ إِنما يكون في الحروف المتقارِبة في المَخْرَجِ ، وأَمَّا الطاءُ فليستْ من مَخْرَج المِيمِ (٨). والمُكْفَأُ في كلامِ العربِ هو المقلوبُ ، وإِلى هذا يَذهبون ، قال الشاعر :
وَلَمَّا أَصَابَتْنِي مِنَ الدَّهْرِ نَزْلَةٌ |
|
شُغِلْتُ وَأَلْهَى النَّاسَ عَنِّي شُؤُنُهَا |
إِذَا الفَارِغُ المَكْفِيُّ مِنْهُمْ دَعَوْتُهُ |
|
أَبَرَّ وَكَانَتْ دَعْوَةً تَسْتَدِيمُهَا |
__________________
(١) ما بين معكوفين ليس في الأساس.
(٢) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله أفد كذا بخطه وفي نسخ أزف وكلاهما بمعنى قرب اه».
(٣) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله تجللها هكذا بخطه بالجيم وفي بعض نسخ الصحاح بالحاء المهملة وفي بعضها بالخاء المعجمة اه».
(٤) اللسان : عن الاكفاء.
(٥) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله «حرف الروي» هكذا بخطه وبالنسخ أيضاً» وفي اللسان : حروف الروي.
(٦) اللسان : لم تفطن.
(٧) اللسان : «فيجعل» وليست في الصحاح.
(٨) عبارة الصحاح : والإكفاء في الشعر : أن يخالف بين قوافيه بعضها ميم وبعضها نون ، وبعضها دال وبعضها طاء ، وبعضها حاء وبعضها خاء ونحو ذلك.