خَمْس بَنَانٍ قَانِىءِ الأَظْفَارِ
أَراد خَمْساً مِن البَنانِ ، وقال الأَعشى :
مُوَرّثَةً مالاً وَفي الحَيِّ رِفْعَةً |
|
لِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءٍ نِسَائِكَا |
وقال الأَصمعيُّ في قوله تعالى : (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) قال : جاءَ هذَا على غير قياس ، والقِياس : ثلاثَة أَقْرُؤٍ ، ولا يجوز أَن يقال ثلاثَة فُلُوسٍ ، إِنما يقال ثلاثة أَفْلُسٍ ، فإِذا كَثُرت فهي الفُلُوسُ ، ولا يقال ثَلاثَة رِجالٍ ، إِنما هي ثَلَاثة أَرْجِلَة (١) ، ولا يقال ثَلاثة كِلَابٍ ، إِنَما هي ثلاثة أَكْلُبٍ ، قال أَبو حاتم : والنَّحويون قالوا في قول الله تعالى : (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) أَراد ثلاثةً من القُروءِ ، كَذَا فِي لسانِ العرب ، أَو جَمْعُ الطُّهْرِ قُرُوءٌ ، وجمعُ الحَيْض أَقْرَاءٌ قال أَبو عُبيدٍ : الأَقراءُ : الحيضُ ، والأَقراءُ : الأَطهار وقد أَقْرَأَت المرأَةُ ، في الأَمريْنِ جميعاً ، فهي مُقْرِئٌ ، أَي حَاضَتْ ، وطَهُرَتْ وأَصله من دُنُوِّ وَقْتِ الشيءِ ، وقَرَأَت إِذا رَأَت الدَّمَ ، وقال الأَخْفَشُ : أَقَرأَت المرأَةُ إِذا صارت صاحِبَةَ حَيْضٍ ، فإِذا حاضَتْ قُلْتَ : قَرَأَتْ ، بلا أَلفٍ ، يقال أَقْرأَت (٢) المرأَةُ حَيْضَةَ أَو حَيْضتَيْنِ ، ويقال : قَرَأَت المرأَةُ : طَهُرَت ، وَقَرَأَتْ : حَاضَت قال حُمَيدٌ :
أَرَاهَا غُلَامَانَا الخَلَا فَتَشَذَّرَتْ |
|
مِرَاحاً ولَمْ تَقْرَأْ جَنِيناً وَلَا دَمَا |
يقول : لم تَحْمِلْ عَلَقَةً ، أَي دَماً ولا جَنِيناً. قال الشافعيُّ رضياللهعنه : القَرْءُ : اسْمٌ للوقْتِ ، فلما كان الحيضُ يجيء لِوَقْتٍ ، والطُّهْرُ يَجيء لِوَقْتٍ ، جازَ أَن تكون (٣) الأَقْرَاءُ حِيَضاً وأَطْهَاراً ، [قال :] ودَلَّتْ سُنَّةُ رَسولِ الله صَلّى الله عليه وسلّم أَنَّ الله عزّ وجلّ أَراد بقوله : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) (٤) الأَطهارَ ، وذلك أَن ابنَ عُمَرَ لما طَلَّقَ امرأَته ، وهي حَائضٌ واستفْتَى عُمَرُ رَضي الله عنه النبيَّ صَلّى الله عليه وسلّم فيما فَعَل قال مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ، فإِذا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْهَا ، فَتِلْكَ العِدَّةُ التي أَمر اللهُ تعالى أَن يُطَلَّق لَها النِّساءُ ، وقرأْت في طَبقات الخَيْضرِيّ من ترجمة أَبي عُبيدٍ القاسم بن سَلَّام أَنه تَناظَر مع الشافِعيِّ في القَرْءِ هل هو حَيْضٌ أَو طُهْرٌ ، إِلى أَن رجع إِلى كلام الشافعيّ ، وهو مَعدُودٌ من أَقرانه ، وقال أَبو إِسحاق : الذي عندي في حَقِيقة هذا أَن القَرْءَ في اللغةِ الجَمْعُ وأَنّ قولَهم قَرَيْتُ الماءَ في الحَوْضِ وإِن كان قد أُلْزم الياءَ ، فهو جَمَعْتُ ، وقَرَأْتُ القُرآنَ : لَفَظْتُ به مَجموعاً فإِنما القَرْءُ اجْتِمَاعُ الدَّمِ في الرَّحمِ ، وذلك إِنما يكون في الطُّهْرِ ، وصحَّ عن عائشةَ وابنِ عُمَرَ رضياللهعنهما أَنهما قالا : الأَقراءُ والقُرُوءُ : الأَطهار ، وَحقَّقَ هذا اللفظَ مِن كلام العَربِ قَوْلُ الأَعشى :
لِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائِكَا
فَالقُروءُ هنا : الأَطهار لا الحِيَضُ لأَن النساءَ يُؤْتَيْنَ فِي أَطْهَارِهِنَّ لا في حِيَضِهِنَّ ، فإِنّما ضاع بِغَيْبَتِه عَنهنَّ أَطْهارُهُن ، قال الأَزهريُّ : وأَهلُ العِراق يَقولون : القَرْءُ : الحَيْضُ ، وحُجَّتُهم قَولُه صَلّى الله عليه وسلّم «دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرائِكِ» أَي أَيَّام حِيَضِك ، قال الكسائي والفَرَّاءُ : أَقْرأَتِ المرأَةُ إِذا حاضَتْ. وما (٥) قَرَأَتْ حَيْضَةً ، أَي ما ضَمَّتْ رَحِمُها (٦) عَلَى حَيْضَةٍ (٥) ، وقال ابنُ الأَثيرِ : قد تَكَرَّرَتْ هذه اللفظةُ في الحَدِيث مُفَرَدةً ومَجموعةً ، فالمُفردَةُ بفتح القاف وتُجمع على أَقراءٍ وقُرُوءٍ ، وهو من الأَضداد ، يقع على الطُّهْرِ ، وإِليه ذَهب الشافعيُّ وأَهلُ الحِجازِ ، ويَقَع على الحَيْضِ ، وإِليه ذهب أَبو حَنيفة وأَهلُ العِراقِ ، والأَصلُ في القَرْء الوَقْتُ المَعلومُ ، ولذلك وقَع على الضِّدَّينِ ، لأَن لكُلٍّ منهما وَقْتاً ، وأَقرأَت المرأَةُ إِذا طَهُرَت ، وإِذا حاضت ، وهذا الحَدِيثُ أَراد بالأَقْراءِ فيه الحِيَضَ ، لأَنه أَمرهَا فيه بِتَرْك الصلاةِ.
وأَقرأَت الناقَةُ والشاةُ ، كما هو نَصُّ المُحكم ، فليس ذِكْرُ النَّاقةِ بِقَيْدٍ : استَقَرَّ الماءُ أَي مَنِيُّ الفَحْلِ في رَحِمِها وهي في قِرْوَتِها ، على غيرِ قياسٍ ، والقِياس قِرْأَتِها وأَقرأَتِ الرِّياحُ أَي هَبّتْ لِوَقْتِها ودَخَلَت في وَقْتِها (٧) ، والقَارِئُ : الوَقْتُ ، وقال مالك بن الحارث الهُذَلِيُّ :
__________________
(١) اللسان : رجلة.
(٢) اللسان : قرأت.
(٣) اللسان : يكون.
(٤) سورة البقرة الآية ٢٢٨.
(٥) هذا قول الأخفش كما في اللسان.
(٦) ضبط اللسان : رَحِمَها.
(٧) اللسان : هبت لأوانها ودخلت في أوانها.