بَيْضَاءُ تَصْطَادُ الغَوِيَّ وَتَسْتَبِي |
|
بِالحُسْنِ قَلْبَ المُسْلِمِ القُرَّاءِ |
انتهى ، قلت : الصحيحُ أَنه قَوْلُ زَيْدٍ بن تُرْكٍ الدُّبَيْرِيّ (١) ، ويقال : إِن المراد بالقُرَّاء هنا من القِرَاءَةِ جَمعُ قارِئٍ ، ولا يكون من التّنَسُّكِ ، وهو أَحسنُ ، كذا في لسان العرب (٢) ، وقال ابنُ بَرِّيٍّ : صوابُ إِنشاده «بَيْضَاءَ» بالفتح ، لأَن قَبْلَه :
ولَقَدْ عَجِبْتُ لِكَاعِبٍ مَوْدُونَةٍ |
|
أَطْرَافُها بِالحَلْي وَالحِنَّاءِ |
قال الفَرّاءُ : يقال : رجلٌ قُرَّاءٌ ، وامرأَةٌ قُرَّاءَةٌ ، ويقال : قرأْتُ ، أَي صِرْتُ قارِئاً نَاسِكاً. وفي حديث ابنِ عبَّاسٍ : أَنه كان لا يَقْرَأُ في الظُّهْرِ والعَصْرِ. ثم قال في آخره : (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) (٣) معناه أَنه كان لا يَجْهَر بالقِراءَة فيهما ، أَو لا يُسْمِعُ نَفْسَه قِراءَتَه ، كأَنَّه رَأَى قَوْماً يَقْرَءُونَ فَيُسمعونَ نُفوسَهم ومَن قَرْبَ منهم ، ومعنى قوله (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) يريد أَن القِراءَةَ التي تَجْهَرُ بها أَو تُسمعها نَفْسَك يَكْتُبُها المَلَكانِ ، وإِذا قَرأْتَها في نَفْسِك لمْ يَكْتُبَاها واللهُ يَحْفَظُها لَكَ ولا يَنْسَاها ، لِيُجَازِيَكَ عَلَيْها.
وفي الحديث : «أَكْثَرُ مُنَافِقِي أُمَّتِي قُرَّاؤُها» أَي أَنهم يَحْفظون القُرآن نَفْياً لِلتُّهَمَةِ عن أَنفسهم وهم يَعْتَقِدون تَضْيِيعَه. وكان المُنافقون في عصرِ النبيِّ صَلّى الله عليه وسلّم كذلك (٤) [كالقارِئِ والمُتَقَرِّئِ] (٥) ج قُرَّاءُون مذكر سالم وقَوَارِيءُ كدَنَانِير وفي نسختنا قَوَارِئ فَوَاعِل ، وجعله شَيْخُنا من التحْرِيف.
قلت إِذا كان جمعَ قارِئ فلا مُخالفة للسَّماع ولا للقِياس ، فإِن فاعِلاً يُجمع على فَوَاعِلَ (٦). وفي لسان العرب قَرائِئ كحَمَائِل ، فَلْيُنْظَر. قال : جاءُوا بالهمزة في الجَمْعِ لما كانت غَيْرَ مُنقلبةٍ بل موجودة في قَرَأْتُ.
وتَقَرَّأَ إِذا تَفَقَّهَ وتَنَسَّك وتَقَرَّأْتُ تَقَرُّؤاً في هذا المعنى.
وقَرَأَ عليهالسلام يَقْرَؤُه : أَبْلَغَه ، كَأَقْرَأَه إِيَّاه ، وفي الحديث : أَنّ الرَّبَّ عَزَّ وجَلَّ يُقْرِئُكَ السَّلَام. أَوْ لا يقال أَقْرَأَه السَّلامَ رُبَاعِيّاً مُتعَدِّياً بنفْسِه ، قاله شيخُنا. قلت : وكذا بحرْفِ الجرّ ، كذا في لِسان العرب إِلَّا إِذَا كان السلامُ مَكْتوباً في وَرَقٍ ، يقال (٧) : أَقرأ فُلاناً السَّلَامَ وأَقْرَأَ عليهالسلام ، كأَنه من يُبَلِّغُه (٧) سَلامه يَحْمِلُه على أَن يَقْرَأَ السَّلَام ويَرُدَّه. قال أَبو حَاتمٍ السِّجستانيّ : تقول : اقْرَأْ عليه السَّلَامَ ولا تقول أَقْرِئْه السَّلَامَ إِلَّا في لُغَةٍ ، فإِذا كان مَكتوباً قلتَ أَقْرِئْهُ السَّلامَ ، أَي اجْعَلْه يَقْرَؤُهُ. في لسان العرب : وإِذا قَرأَ الرّجُلُ القُرآنَ والحديثَ على الشيْخِ يقول : أَقْرَأَنِي فُلانٌ ، أَي حَمَلَني على أَنْ أَقْرَأَ عليه.
والقَرْءُ ويِضَمُّ يُطلَق على : الحَيْضُ ، والطُّهْر وهو ضِدٌّ وذلك لأَن القُرْءَ هو الوَقْتُ. فقد يكون للحَيْض ، وللطُّهْرِ ، وبه صرَّح الزَّمَخْشَرِيّ وغيرُه ، وجَزم البَيْضاوِيّ بأَنّه هو الأَصل ، ونقله أَبو عمرو ، وأَنشد :
إِذَا مَا السَّمَاءُ لَمْ تَغِمْ ثُمَّ أَخْلَفَتُ |
|
قُرُوءَ الثُّرَيَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا قَطْرُ |
يُريد وَقْتَ نَوْئِها الذي يُمْطَرُ فيه النَّاسُ ، وقال أَبو عُبيدٍ : القَرْءُ يَصلُح للحَيْضِ والطُّهر ، قال : وأَظنُّه من أَقْرَأَتِ النُّجومُ إِذا غابت. والقُرْءُ : القَافِيَةُ قاله الزمخشري ج أَقْرَاءٌ وسيأْتي قريباً والقرْءُ أَيضاً الحُمَّى ، والغائب ، والبَعِيد (٨) وانقضاءُ الحَيْض وقال بعضهم : ما بين الحَيْضَتَيْنِ. وقَرْءُ الفَرَسِ : أَيَّامُ وَدْقِهَا أَوْ سِفَادِهَا ، الجمع أَقْرَاءٌ وقُرُوءٌ وأَقْرُؤٌ الأَخيرة عن اللّحيانيّ في أَدنى العدد ، ولم يَعرِف سِيبويهِ أَقْراءً ولا أَقْرُؤاً ، قال : استغنَوْا ، عنه بِقُرُوءٍ. وفي التنزيل : (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) (٩) أَراد ثَلاثةً من القروءِ كما قالوا خَمْسَةَ كِلَابٍ يُراد بها خَمْسَة من الكِلَابِ وكقوله :
__________________
(١) اللسان : زيد بن تركيّ الزُّبيديّ.
(٢) كذا في اللسان ، وفي هامشه «قوله» ولا يكون من التنسك ، عبارة المحكم في غير القاموس ويكون من التنسك بدون لا».
(٣) سورة مريم الآية ٦٥.
(٤) في النهاية بدل «كذلك» «بهذه الصفة».
(٥) سقطت من الأصل ، واستدركناها عن القاموس.
(٦) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله فإن فاعلاً الخ» فيه إن محل ذلك إذا كان فاعل اسماً ككاهل لا وصفاً كما هنا فهو شاذ اه.
(٧) العبارة في اللسان : اقرِىء فلاناً السلام واقْرَأْ عليهالسلام كأنه حين يُبلِّغه.
(٨) الأصل «العيد» أثبتنا ما جاء في القاموس.
(٩) سورة البقرة الآية ٢٢٨.