تطهّر بأحدهما وصلّى ، ثمّ تطهّر بالآخر وصلّى بعد ما غسل من أعضائه ما لاقاه الأوّل ، فالمصرّح به في كلام جمع المنع عنه أيضا ، بل في الحدائق : « الظاهر أنّه لا خلاف في الحكم المذكور » (١) ، والمنقول عن المعتبر في تعليله : « أنّه ماء محكوم بالمنع منه ، فيجري استعماله مجرى النجس » (٢) ، وعن بعضهم : « أنّه يصدق عليه بعد الطهارة الاولى أنّه متيقّن الحدث شاكّ في الطهارة ، ومن هذا [شأنه] لا يسوغ له الدخول في الصلاة نصّا وإجماعا ، والوضوء الثاني يجوز أن يكون بالنجس ، فيكون قد صلّى بنجاسة » (٣).
وعلّله في المدارك : « بأنّ هذين الماءين قد صارا محكوما بنجاستهما شرعا ، واستعمال النجس في الطهارة ممّا لا يمكن التقرّب به ، لأنّه بدعة » ، ثمّ قال : « وفيه ما فيه » (٤) ولعلّه لمنع المقدّمة الاولى ، حيث إنّ هذين الماءين إنّما حكم بالاجتناب عنهما لا بنجاستهما معا ، ولا ملازمة بين وجوب الاجتناب عن شيء ونجاسته ، والمانع عن قصد التقرّب إنّما هو النجاسة المتيقّنة ، وهي مع الصلاة بكلّ واحد بعد استعماله منفردا ثمّ غسل ما لاقاه الأوّل غير حاصلة ، ومقارنة رجاء إدراك الصلاة مع الطهارة الحدثيّة رافعة لعنوان البدعة ، واحتمال فوات الطهارة الخبثيّة عند كلّ صلاة لا يعارض اليقين بوقوع إحداهما مع الطهارة لا محالة.
نعم ، إنّما يترتّب الأثر على هذا الاحتمال فيما لم يتخلّل صلاة بين الوضوءين ، بأن توضّأ بأحدهما ثمّ توضّأ بالآخر بعد ما غسل به العضو الملاقي للأوّل ثمّ صلّى ، فإنّ الغسل وإن كان يمنع عن يقين وجود النجاسة في العضو حين الوضوء الثاني والصلاة به ، غير أنّه يوجب اليقين بطروّ النجاسة للعضو المردّد بين كونه بالوضوء الأوّل أو غيره لا محالة ، مع عدم اليقين بزوالها بمجرّد ذلك الغسل لجواز كونه باعثا على طروّها ، ولا ريب أنّ المقام حينئذ من مواضع الاستصحاب ، والنجاسة المستصحبة كالنجاسة المتيقّنة في اقتضاء المنع ، وليس كذلك الحال في الفرض المتقدّم لاستلزامه وقوع إحدى الصلاتين بالطهارة المتيقّنة.
__________________
(١) الحدائق الناضرة ١ : ٥١٧ ، وفيه : « الّذي صرّح به جمع من الأصحاب المنع وهو الظاهر ».
(٢) المعتبر : ٢٦.
(٣) حكاه عنه في الحدائق الناضرة ١ : ٥١٧.
(٤) مدارك الأحكام ١ : ١٠٩.