وعن الحلبي الاحتجاج على ما صار إليه بأنّ : « الشرعيّات كلّها ظنّية ، وأنّ العمل بالمرجوح مع قيام الراجح باطل » (١) ، وقد يحتجّ له أيضا : « بأنّ الاشتغال بالطهارة بالماء الطاهر والصلاة بالثوب الطاهر ثابت يقينا ، وهو ممّا يقتضي اليقين بالبراءة جزما ، ولا يحصل اليقين إلّا بالطاهر الواقعي لمكان وضع الألفاظ للمعاني الواقعيّة ، وقضيّة ذلك تعيّن الاجتناب عمّا ظنّ بنجاسته ، لأنّ مقدّمة الواجب المطلق ممّا لا بدّ منها ». (٢)
والجواب عن الأوّل : بمنع ابتناء الشرعيّات مطلقة على الظنّ ، لو اريد بها ما يعمّ الموضوعات الخارجيّة كما هو المتنازع فيه وبدونه لا يجدي ، ولو سلّم فهو لم يثبت إلّا من باب القاعدة القابلة للتخصيص ، والروايات المتقدّمة تنهض مخصّصة لها ، هذا مضافا إلى ما في حسنة الحلبي المتقدّمة (٣) من الظنّ المأمور معه بالنضح الّذي لا يكفي في رفع النجاسة ، ومثله ما في رواية زرارة المنهيّ معه عن إعادة الصلاة ، فإنّ « الظنّ » إن لم يكن ظاهرا في معناه المعهود فلا أقلّ من كونه شاملا له ، ومثله الشكّ الوارد في رواية ابن الحجّاج (٤) بقرينة تقدّم الحسبان في كلام السائل ، مع شيوع إطلاق هذا اللفظ في الروايات على مطلق الاحتمال ، وعلى هذا القياس لفظ « الرأي » الوارد في رواية عبد الله بن سنان (٥) المحكوم معه بالنضح ، مضافا إلى سائر الروايات الشاملة بإطلاقها لصورة الظنّ أو الظاهرة فيها ، ولا ريب أنّ ما ذكر في الاحتجاج لا يصلح معارضا لشيء من ذلك.
وعن الثاني : بأنّ العقل ممّا لا مدخل له في التعبّديّات ، والعبرة في الراجحيّة والمرجوحيّة بالقياس إليها إنّما هو بما اعتبره الشارع ، ولا اعتداد فيها بالترجيح العقلي ، فحيث إنّ الشارع حكم بالطهارة ، ما لم يحصل العلم بنقيضها كشف عن كون الراجح في نظره مع عدم العلم هو الطهارة ، فنحن أنّما نأخذ بها لا بعنوان أنّه مرجوح في نظر العقل لئلّا يكون جائزا ، بل بعنوان أنّه راجح في نظر الشارع ، بل المتّجه حينئذ المنع عن قضاء العقل بالمرجوحيّة بعد ما لاحظ ترجيح الشارع للطهارة.
وبالجملة : المرجوحيّة لو اريد بها ما هو بحسب اعتقاد المكلّف فنمنع حكم العقل
__________________
(١) حكى عنه في المعالم ١ : ٣٨١.
(٢) مشارق الشموس : ٢٨٣.
(٣) تقدّمت في الصفحة ٤٦٣ الرقم ١.
(٤) تقدّمت في الصفحة ٤٦٤ الرقم ١.
(٥) تقدّمت في الصفحة ٤٦٤ الرقم ٣.