بذلك مفهوم قولهم : « إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء » (١).
والمناقشة فيه أوّلا : بمنع العموم في المفهوم لمكان صيرورة « الشيء » نكرة في سياق الإثبات ، وثانيا : بأنّ ارتفاع السلب الكلّي في المنطوق أعمّ من الإيجاب الكلّي في المفهوم ، كما في قولك : « إذا خفت من الله فلا تخف من أحد » ، و « إن جاءك زيد فلا تكرمه »
يدفعها : ـ مع ما فيها ممّا ذكرناه مرارا ـ كفاية ما في الملاقاة المستفادة من الرواية منطوقا ومفهوما من الإطلاق الشامل لمحلّ البحث ؛ لعدم ورود ما ينافيه بالقياس إليه ، وإنّما ورد عليها ما أخرجها عن هذا الإطلاق بالقياس إلى مواضع ليس المقام منها ، فلا مجال إلى رفع اليد عنه بالنسبة إليه لمجرّد الاحتمال ؛ إذ الاحتمال لا يعارض الحجّة ، والظاهر الناشئ من الإطلاق هو الحجّة.
وتوضيح ذلك : إنّا لا ندّعي كون ملاقاة النجاسة علّة تامّة للانفعال ؛ كيف وهو منتقض بالكرّ ، والقليل من الجاري ، والعالي من الراكد ، والمستعمل في الاستنجاء ، وغيره ممّا يعدّ من مستثنيات قاعدة انفعال القليل ، بل غرضنا أنّ المستفاد من أدلّة انفعال القليل بالملاقاة ـ مع ملاحظة أدلّة الكرّ ، والأدلّة الواردة في الجاري والمستعلي ، والمستعمل في الاستنجاء ـ كون ملاقاة النجاسة سببا للانفعال ، بالمعنى المصطلح عليه عند الاصولي الّذي يجامع فقد الشرط ـ إذا كان من شروط التأثير لا انعقاد الماهيّة ـ ووجود المانع ـ إذا كان راجعا إلى التأثير أيضا دون أصل الماهيّة ـ وله في تأثيره شرط أثبته الأدلّة وهو القلّة ، بناء على ما مرّ تحقيقه في أوائل الكتاب من أنّ الكرّيّة إنّما اعتبرت لكونها ملزومة لانتفاء شرط الانفعال كاشفة عنه ، لا لكونها سببا لعدم الانفعال ؛ كيف وأنّ المسبّب لا يتخلّف عن سببه ، وقد ترى تخلّفه في الماء المتغيّر بالنجاسة وإن كان كرّا.
ولا يرد مثله علينا في دعوى الملازمة ؛ لأنّ الانفعال له عندنا علّتان : إحداهما : بسيطة وهو التغيّر ، بناء على ما قرّرناه لك عند الجمع بين أدلّة التغيّر ، والأدلّة المخرجة لماء الاستنجاء ، وأخراهما : مركّبة وهي الملاقاة مع القلّة وغيرها ممّا اعتبر عدمه من الموانع ، فالكرّيّة إذا اجتمعت مع عدم التغيّر فقد جامعت فقد ما هو شرط للانفعال ، وإذا اجتمعت مع التغيّر فقد صادفت ما هو علّة تامّة للانفعال ، ولا حكم لها حينئذ ، ومعه
__________________
(١) الوسائل ١ : ١٥٨ ب ٩ من أبواب الماء المطلق ح ١.