آخر إلّا من جهة قيام رافع لولاه لما كان مرتفعا ، وممّا جعله الشارع رافعا لطهارة الماء أو كشف عن رافعيّته إنّما هو التغيّر بالنجاسة ، فإذا فرض كون وجوده رافعا لها فكيف يعقل كون عدمه مؤثّرا في وجودها ومحدثا لها ولو بعنوان الجزئيّة ، وإلّا لزم ارتفاع النقيضين أو ضدّين لا ثالث لهما ، إذ المفروض كون كلّ من الطهارة والنجاسة مستندة إلى أمر خارج عن ذات الماء ، فالذات بما هي هي معرّاة عن كلا الوصفين ، وإن لم يمكن فرض خلوّها عن أحدهما باعتبار الزمان ، حيث إنّها لا تخلو عن أحد وصفي التغيّر وعدمه ، إلّا أنّه كما لا يمكن ارتفاع النقيضين أو الضدّين عن الشيء باعتبار الزمان ـ أي في زمان من الأزمنة ـ فكذلك لا يمكن ارتفاعهما عنه باعتبار الذات ـ بمعنى خلوّها بما هي هي عنهما معا ـ ولذلك جعل وصف الماء باعتبار ذاته وخلقته الطهارة ، كما يرشد إليه أيضا تعليق عدم الطهارة على العلم بالقذارة ، المستفاد من قولهم عليهمالسلام : « الماء كلّه طاهر حتّى تعلم أنّه قذر » (١) فلو لم يكن وصفه الأصلي هو الطهارة ولا أنّ عدمها من جهة طروّ ما يرفعها ، لوجب تعليق عدم قذارته على العلم بالطهارة كما لا يخفى.
فإذا ثبت أنّ طهارة الماء من مقتضيات ذاته ، وأنّه لا يحكم عليها بالعدم إلّا من جهة طروّ ما يوجب ارتفاعها ، وأنّ عدم التغيّر ليس بمؤثّر فيها ، بل هو حيثما وجد معها يكون من باب المقارنات الاتّفاقيّة ، وأنّ التغيّر هو الّذي يؤثّر في عدمها ويوجب ارتفاعها ، علم أنّ ملاقاة النجاسة في الماء القليل أيضا من مقولة الروافع ، ولكن بهذا الشرط ـ أي شرط القلّة ـ فالعلّة في ارتفاع الطهارة الّتي هي من مقتضيات ذات الماء حينئذ مركّبة عن وصفي القلّة والملاقاة ، فإذا كان وجود هذين الوصفين مؤثّرا في ارتفاع الطهارة فلا يعقل كون عدمها مؤثّرا في وجود الطهارة لعين ما تقدّم.
وقضيّة ذلك أن لا يكون وصف الكرّيّة كوصف عدم التغيّر مؤثّرا في الطهارة ، بل هو كأخيه حيثما وجد مع الطهارة كان من المقارنات الاتّفاقيّة ، وإنّما اعتبره الشارع مناطا للحكم لا من جهة أنّه مؤثّر ـ ولو بعنوان الشرطيّة ـ بل من جهة أنّه ميزان كلّي هو ملزوم لانتفاء ما هو مؤثّر في ارتفاع الطهارة ، وشرط لطروّ النجاسة وهو القلّة ، وإلّا فالمقتضي للطهارة كما عرفت هو نفس الذات لا بشرط هذا الوصف ، كيف ولو كان له
__________________
(١) الوسائل ١ : ١٣٤ ، ب ١ من أبواب الماء المطلق ح ٥.