عندي بخطه الشريف كسائر إجازات مشايخه رحمهمالله بخطوطهم في مجموعة شريفة ـ : واوصيه ـ أيّده الله ـ بالكدّ في تحصيل المقامات العالية الأخرويّة سيّما الجدّ في نشر أحاديث أهل بيت النبوّة والعصمة صلوات الله وسلامه عليهم ، ورفض العلائق الدنيّة الدنيوية ، وإيّاه وصرف نقد العمر العزيز في العلوم المموّهة الفلسفية فإنّها ( كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً ) (١). انتهى.
قلت : ولبحر العلوم أيضا كلام في التحذّر عنهم وعن طائفة أخرى تعد من إخوتهم.
قال رحمهالله في إجازته للعالم العامل السيد عبد الكريم بن السيد محمّد بن السيد جواد بن العالم الجليل السيد عبد الله ـ سبط المحدّث الجزائري ـ بعد كلام له في اعتناء السلف بالأحاديث ورعايتها دراية ورواية وحفظا ، ما لفظه : ثم خلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات ، جانبوا العلم والعلماء ، وباينوا الفضل والفضلاء ، عمروا الخراب وأخلدوا إلى التراب ، نسوا الحساب وطلبوا السراب ، سكنوا البلدة الجلحاء (٢) وتوطّنوا القرية الوحشاء ، اطمأنوا بمسرّات الأيام الممزوجة بالهموم والآلام ، واستلذوا لذائذها المعجونة بأقسام السموم والأسقام.
فهم بين من اتخذ العلم ظهريّا والعلماء سخريّا ، وأولئك هم العوام الذين سبيلهم سبيل الأنعام ، فهم في غيّهم يتردّدون ، وفي تيههم يعمهون.
وبين من سمّى جهالة اكتسبها من رؤساء الكفر والضلالة ـ المنكرين للنبوة والرسالة ـ حكمة وعلما ، واتخذ من سبقه إليها أئمة وقادة ، يقتفي آثارهم ويتبع منارهم ، يدخل فيما دخلوا وإن خالف نصّ الكتاب ، ويخرج عمّا خرجوا وإن كان ذلك هو الحق الصواب ، فهذا من أعداء الدين ، والسعاة في هدم
__________________
(١) النور ٢٤ : ٣٩.
(٢) الجلحاء : الجرداء ، الأرض التي لا شجر فيها انظر ( القاموس المحيط ـ جلح ـ ١ : ٢١٨ )