وحدّثني سلّمه ، الله ، عن العبد الصالح الزاهد الورع العابد الحاج محمّد الخزعلي ـ وكان ممّن أدرك السيد ـ قال : كان العالم الجليل السيد جواد العاملي ـ صاحب مفتاح الكرامة ـ يتعشّى ليلة إذا طارق طرق الباب عليه عرف أنّه خادم السيد بحر العلوم ، فقام إلى الباب عجلا ، فقال له : إنّ السيد قد وضع بين يديه عشاؤه وهو ينتظرك ، فذهب إليه عجلا ، فلمّا لاح للسيد قال له السيد : أما تخاف الله؟ أما تراقبه؟ أما تستحي منه؟! فقال : ما الذي حدث؟! فقال له : إنّ رجلا من إخوانك كان يأخذ من البقال قرضا لعياله كل يوم وليلة قسبا (١) ليس يجد غير ذلك ، فلهم سبعة أيام لم يذوقوا الحنطة والأرز ، ولا أكلوا غير القسب ، وفي هذا اليوم ذهب ليأخذ قسبا لعشائهم ، فقال له البقال : بلغ دينك كذا وكذا ، فاستحيى من البقال ولم يأخذ منه شيئا وقد بات هو وعياله بغير عشاء ، وأنت تتنعم وتأكل ، وهو ممّن يصل إلى دارك وتعرفه وهو فلان.
فقال : والله مالي علم بحاله.
فقال السيد : لو علمت بحاله وتعشيت ولم تلتفت إليه لكنت يهوديّا أو كافرا ، وإنّما أغضبني عليك عدم تجسّسك عن إخوانك وعدم علمك بأحوالهم ، فخذ هذه الصينية يحملها لك خادمي يسلّمها إليك عند باب داره ، وقل له : قد أحببت أن أتعشى معك الليلة ، وضع هذه الصرّة تحت فراشه أو بوريائه أو حصيره وابق له الصينية فلا ترجعها ـ وكانت كبيرة فيها عشاء وعليها من اللحم والمطبوخ النفيس ما هو مأكل أهل التنعم والرفاهية ـ وقال السيد له : اعلم أنّي لا أتعشى حتى ترجع إليّ فتخبرني أنّه قد تعشى وشبع.
فذهب السيد جواد ومعه الخادم حتى وصلوا إلى دار المؤمن ، فأخذ من
__________________
(١) القسب : التمر اليابس. وجاء في هامش الحجري : أنّه نوع من التمر يسمّى بالزاهدي. انظر ( الصحاح ـ قسب ـ ١ : ٢٠١ )