نباتة قال : دخل الحارث الأعور على أمير المؤمنين عليهالسلام في نفر من الشيعة وكنت فيهم ، فجعل الحارث يتئد في مشيته ويخبط الأرض بمحجنه (١) ، وكان مريضا فأقبل عليه أمير المؤمنين عليهالسلام وكانت له منزلة فقال : كيف تجدك يا حارث؟
فقال : نال الدهر ـ يا أمير المؤمنين ـ مني ، وزادني أوارا (٢) وغليلا اختصام أصحابك ببابك.
قال : وفيم خصومتهم؟
قال : فيك وفي الثلاثة من قبلك ، فمن مفرّط منهم غال ، ومقتصد قال ، ومن متردد مرتاب لا يدري أيقدم أم يحجم.
فقال : حسبك يا أخا همدان ، ألا إن خير شيعتي النمط الأوسط ، إليهم يرجع الغالي ، وبهم يلحق التالي.
فقال له الحارث : لو كشفت فداك أبي وأمي الرين عن قلوبنا ، وجعلتنا في ذلك على بصيرة من أمرنا؟
قال : قدك (٣) ، فإنّك امرؤ ملبوس عليك ، إنّ دين الله لا يعرف بالرجال ، بل بآية الحق ، فاعرف الحق تعرف أهله.
يا حارث ، إن الحق أحسن الحديث ، والصادع به مجاهد ، وبالحق
__________________
(١) يخبط الأرض : أي : يطؤها بشدّة ، وهو مستعمل أصلا لمشي البعير ، لأنّه يضرب الأرض بشدّة.
بمحجنه : أي بعصاه المعوج رأسها.
(٢) الأوار : شدّة حر الشمس ، ولفح النار ووهجها ، والعطش ، ومن كلام لأمير المؤمنين عليهالسلام : فإن طاعة الله حرز من أوار نيران موقدة. انظر ( لسان العرب ـ أور ـ ٤ : ٣٥ )
(٣) في المخطوطة والحجرية : ندل. والمثبت من المصدر ومعناه ان أخذت اسم فعل : يكفي.
وان أخذت اسما فهي بمعنى حسب.
هذا على أن تقرأ بالتخفيف ، وأمّا التشديد فهو غلط واضح.