وكان يبشّر بذلك أصحابه في أيام الطاعون.
قال ـ رحمهالله ـ : وأعطاني وأهل بيته ومن يلوذ به ، دعاء للحفظ من الطاعون قبل نزوله ، فلمّا نزل هذا البلاء العظيم في الوقت الذي أخبره به ، وتفرّق من تمكن منه ، بقي السيد في المشهد الشريف كالطود الباذخ ، والجبل الراسخ ، وظهر منه في تلك الأيام من قوّة القلب وعلوّ الهمة والجدّ والاجتهاد والقيام بأمور المسلمين وتجهيز الأموات الذين جاوزوا حدّ الإحصاء ـ وقد بلغ عددهم في أسبوع كل يوم ألف نفس ـ ما تحير فيه العقول والأفكار ، ولم يوفّق لذلك الأمر العظيم أحد من العلماء الذين سار ذكرهم في الأقطار ، وكان ـ رحمهالله ـ هو القائم بتجهيز الجميع وقد نافوا على أربعين ألف.
وكان ـ رحمهالله ـ يجيء أول الصبح إلى الحضرة الشريفة العلوية ويزور زيارة مخفّفة ، ثم يخرج ويقعد في إيوان الحجرة المتصلة بالباب الشرقي على يمين الداخل إلى الصحن الشريف ، فيجتمع عنده الذين عين كل طائفة منهم لأمر من أمور التجهيز ، فمنهم لرفع الجنائز ومنهم للتغسيل ، ومنهم للدفن ، ومنهم للطواف بهم ، وغير ذلك ، فيرسلهم إلى مشاغلهم ، وعيّن نفسه الشريفة للصلاة على جميعهم.
وكان في أول مجيئه قد اصطف الأموات بين يديه ما بين عشرين إلى ثلاثين ـ وقد بلغ عددهم في يوم واحد للصلاة إلى ألف ـ كلّ على الترتيب المقرّر في الشرع من غير إخلال بمستحب وأدب فيه ولا في أمور التجهيز ، فيصلّي عليهم صلاة واحدة ، فيؤتى بطائفة أخرى حين الصلاة ، فإذا فرغ منها ورفعت الجنائز وضعت مكانها الأخرى ، وهكذا. وهو واقف على قدميه إلى الزوال.
وإذا شاهد من أحد الفتور في رفع جنازة بعد الصلاة وضع عبائه على