ليسا فى كل وقت مُصْطَحِبَينِ مقترنين ؛ بل كل واحد منهما يُجامِعُ صاحبه ويفارقه ، فلما اصطحبا مرة وافترقا أخرى لم يمكن أن يُخَصَّا باسم علم يفيدهما من غيرهما ؛ لأنهما شيئان كلُّ واحد بائنٌ من صاحبه ، وأما أبَانان فجبلان متقابلان لا يفارق واحد منهما صاحبه فجريا لاتصال بعضهما ببعض مجرى المسمى الواحد ، نحو : بكرٍ وقاسم ، فكما خُصَّ كلُّ واحد من الأعلام باسم يفيده من أُمّتِه ، كذلك خُصَّ هذان الجبلان باسم يفيدهما من سائر الجبال ؛ لأنهما قد جريا مجرى الجبل الواحد ؛ فكما أن ثَبِيرًا ويَذْبُلَ لما كان كل واحد منهما جبلاً واحدًا متصلة أجزاؤه خص باسم لا يُشارَك فيه ؛ فكذلك أبَانَانِ لما لم يَفْتَرِقْ بعضهما من بعض وكانا لذلك كالجبل الواحد خُصَّا باسم علم كما خص يَذْبُل ويَرَمْرَمُ وشَمامُ ، كل واحد منهما باسم علم ، قال مهلهل :
أَنْكَحَها فَقْدُها الأَرَاقِمَ فى |
|
جَنْبٍ وَكَانَ الخِبَاءُ من أدَمِ |
لو بِأَبَانَيْنِ جاء يَخْطُبُها |
|
رُمِّلَ ما أَنْفُ خَاطِبٍ بِدَمِ(١) |
قال سيبويه : وتقول هذان أبانان بَيِّنَيْنِ ؛ وإنما فرَّقوا بين أبانَيْنِ وعرفات ، وبين زيدينِ وزيدينَ من قِبَلِ أنهما لم يجعلوا التثنية والجمع علمًا لرجلين ، ولا لرجال بأعيانهم ؛ وجعلوا الاسم الواحد علمًا لشىء بعينه ، كأنهم قالوا إذا قلنا : ائت بزيد ، إنما نريد هذا الشخص الذى نشير إليه ، ولم يقولوا إذا قلنا : جاء زيدان ، فإنما نعنى شخصين بأعيانهما قد عُرفا قبل ذلك وأُثْبِتَا ؛ ولكنهم قالوا : إذا قلنا : جاء زيدُ فلانٍ ، وزيد بن فلان ، فإنما نعنى شيئين بأعيانهما فكأنهم قالوا : إذا قلنا : ائت أبانينِ فإنما نعنى هذين الجبلين بأعيانهما اللذين نشير إليهما ، ألا ترى أنهم لم يقولوا : امْرُرْ بأبَانِ كذا وأبانِ كذا ـ لم يفرقوا بينهما ؛ لأنهم جعلوا أبانين اسمًا لهما يُعرفان به بأعيانهما ؛ وليس هذا فى الأناسىّ ولا فى الدوابّ ، إنما يكون هذا فى الأماكن والجبال وما أشبه ذلك ، من قِبَلِ أن الأماكن لا تزول فيصير كل واحد من الجبلين داخلاً عندهم فى مثل ما دخل فيه صاحبه من الحال ، فى الثبات والخِصْب والقحط ، ولا يشار إلى واحد منهما بتعريف دون الآخر فصار كالواحد الذى لا يزايله منه شىء ، حيث كان فى الأناسى والدواب والإنسانان والدابتان لا يثبتان أبدا ، يزولان ويتصرفان ويشار إلى أحدهما والآخر عنه غائب ، وقد يُفرد فيقال : أَبَانُ ، قال امرؤ القيس :
__________________
(١) البيتان للمهلهل ، والبيت الأول له فى ديوانه ص ١٧٩ ، وتاج العروس (جنب) ، (رقم) ، (حبا) ، (ما) ، ولسان العرب (جنب) ، (رقم) ، (أبن) ، وتهذيب اللغة ٥ / ٢٦٦ ، والبيت الثانى له فى شعراء النصرانية ص ١٧٩ ، ولسان العرب (ضرج) ، (أبن).