أن أبا إسحاق ذهب فيه إلى أن « إنَ » هنا بمعنى : نعم ، وهذان مرفوع بالابتداء ، وأن اللام فى لساحران داخلة على غير ضرورة ، وأن تقديره : نعم هذان لهما ساحران ، وحكى عن أبى إسحاق أنه قال : هذا الذى عندى فيه ، والله أعلم. وقد بين أبو علىٍّ فساد ذلك فغنِينا نحن عن إيضاحه هنا.
فأما قوله عزوجل : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) [القمر : ٤٩] ، (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ) [ق : ٤٣] ونحو ذلك فأصله : إنَّنَا ولكن حذفت إحدى النونين من « إِنَ » تخفيفًا ، وينبغى أن تكون الثانية منهما ؛ لأنها طرف ، وهى أضعف ، ومن العرب من يبدل همزتها هاءً مع اللام ، كما أبدلوها فى هَرَقْتُ ، فيقول : لَهِنَّكَ لرجُلُ صدقٍ ، قال سيبويه : وليس كل العرب تتكلم بها ، قال الشاعر :
أَلا يَا سَنَا بَرْقٍ عَلَى قُلَلِ الحِمَى |
|
لَهِنَّكَ مِنْ بَرْقٍ عَلَىَّ كَرِيمُ(١) |
وحكى ابن الأعرابى : هِنَّك وواهِنَّكَ ، وذلك على البدل أيضًا.
* وأنَ كإنَ فى التأكيد ؛ إلا أنها تقع موقع الأسماء ولا تبدل همزتها هاءً ، ولذلك قال سيبويه : وليس إِنَ كأنَ ، إنَ كالفعل وأنَ كالاسم ، ولا تدخل اللام مع المفتوحة ، فأما قراءة سعيد بن جبير إِلا أَنَّهم لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ [الفرقان : ٢٠] بالفتح ، فإن اللام زائدة كزيادتها فى قوله :
*لَهِنَّكِ فى الدُّنَيا لَبَاقِيةُ العُمْرِ* (٢)
ولا أفعل كذا ما أنَ فى السماء نجما ـ حكاه يعقوب ـ ولا أعرف ما وجه فتح أنَ هنا إلا أن يكون على توهم الفعل كأنه قال : ما ثبت أنَ فى السماء نجمًا ، أو ما وجد أنَ فى السماء نجمًا ، وحكى اللحيانى : ما أنَ ذلك الجبل مكانه وما أنَ حراءً مكانه ، ولم يُفسره.
* وكأنَ : حرف تشبيه ، إِنَّمَا هو « أَنَّ » دخلت عليها الكاف ، قال ابن جنى : إن سأل سائل فقال : ما وجه دخول الكاف هاهنا؟ وكيف أصل وضعها وترتيبها؟ فالجواب : أن أصل قولنا : كأنَ زيدًا عمروٌ إنما هو إِنَ زيدًا كعمرو ، فالكاف هنا تشبيه صريح وهى متعلقة بمحذوف ، وكأنك قلت : إن زيدًا كائنٌ كعمرو ، وإنهم أرادوا الاهتمام بالتشبيه الذى عليه عقدوا الجملة فأزالوا الكاف من وسط الجملة ، وقدموها إلى أَوَّلِها لإفراط عنايتهم بالتشبيه ،
__________________
(١) البيت لمحمد بن سلمة فى لسان لعرب (لهن) ، (قذى) ، ولرجل من بنى نمير فى خزانة الأدب ١٠ / ٣٣٨ ، ٣٣٩ ، ٣٥١ ، والخصائص ١ / ٣١٥ ، ٢ / ١٩٥.
(٢) شطر بيت بلا نسبة فى لسان العرب (أنن).