فلما أدخلوها على إنَّ من قبلها وجب فتح إنَ ؛ لأنَّ المكسورة لا يتقدمها حرف الجر ، ولا تقع إلا أوَّلاً أبدا ، وبقى معنى التشبيه الذى كان فيها وهى متوسطةٌ بحالِهِ فيها وهى متقدمة ، وذلك قولهم : كأنَ زيدًا عمروٌ ؛ إلا أنَّ الكاف الآن لما تقدمت بطل أن تكون معلقة بفعل ولا بشىء فى معنى الفعل ؛ لأنها فارقت الموضع الذى يمكن أن تتعلق فيها بمحذوف ، وتقدمت إلى أوَّل الجملة وزالت عن الموضع الذى كانت فيه متعلقة بخبر إنَّ المحذوف ، فزال ما كان لها من التعلق بمعانى الأفعال ، وليست هاهنا زائدة ؛ لأن معنى التشبيه موجود فيها ، وإن كانت قد تقدمت وأزيلت عن مكانها.
فإن قلت إنَّ الكاف فى كأنَ الآن ليست متعلقة بفعل ، وليس ذلك بمانع من الجر فيها! ألا ترى أن الكاف فى قوله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] ليست متعلقة بفعل ، وهى مع ذلك جارَّةٌ؟ ويؤكد عندك أيضًا هنا أنها جارة فتحهم الهمزة بعدها ، كما يفتحونها بعد العوامل الجارة وغيرها ؛ وذلك قولك : عجبت من أنك قائم ، وأظن أنك منطلق ، وبلغنى أنك كريم ، فكما فَتَحْتَ أنَ لوقوعها بعد العوامل قبلها موقع الأسماء كذلك فتحت أيضًا فى كأنك قائم ؛ لأن قبلها عاملاً قد جرَّها ؛ وأما قول الراجز :
فَبَادَ حَتَّى لَكَأنْ لَمْ يَسْكُنِ |
|
فَالْيَومَ أَبْكِى وَمَتَى لَمْ يُبْكِنى(١) |
فإنه أكد الحرف باللام ، وقوله :
كَأَنَ دَريِئَةً لَمَّا الْتَقَيْنَا |
|
لِنَصْلِ السَّيْفِ مُجْتَمَعُ الصُّدَاعِ(٢) |
أَعْمَلَ معنى التشبية فى « كأنَّ » فى الظرف الزمانى الذى هو « لما التقينا » وجاز ذلك فى كأنَّ لما فيها من معنى التشبيه.
وقد تخفف أَنْ ويرفع ما بعدها ، قال الشاعر :
أَنْ تَقْرَآنِ على أَسْماءَ وَيْحَكُما |
|
مِنِّى السَّلامَ وأَنْ لْا تُعْلِما أحَدا(٣) |
قال ابن جنى : سألت أبا علىٍّ فقلت : لم رفع تقرآن؟ فقال : أراد النون الثقيلة ، أى : أنكما تقرآنِ ، قال أبو علىٍّ : وأولى « أَنْ » المخففة من الثقيلة الفعلَ بلا عوض ضرورة.
وهذا على كل حال وإن كان فيه بعض الصنعة فهو أسهل مما ارتكبه الكوفيون.
__________________
(١) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (أنن) ؛ وخزانة الأدب ١٠ / ٣٣٢.
(٢) البيت بلا نسبة فى لسان العرب (أنن) ، والمخصّص ٣ / ٣١.
(٣) البيت بلا نسبة فى الأشباه والنظائر ١ / ٣٣٣ ، ولسان العرب (أنن).