فهذا مَحْمُولٌ على المَعْنى دون اللَّفظ ، أى إذا الناسُ أَحْرارٌ والبلاد مُخْصِبَةٌ ، ولولا هذا الغَرَض وأنه مراد معتزم لم يَجُزْ شىء من ذلك ، لتَعَرِّى الجُزْء الأخير من زيادة الفائدة عن الجزء الأول وكأنه إنما أُعِيد لفظ الأول وكأنه لضَرْبٍ من الإِدلال والثقة بمحصول الحال ، وكذلك كل ما كان مثل هذا. والنَّاتُ لغة فى الناس ، على البَدَل الشاذ ، وأنشد الفَرَّاء.
يا قَبَّحَ اللهُ بَنِى السِّعْلاةِ |
|
عَمْرو بنَ يَرْبُوعٍ شِرارَ الناتِ |
غيرَ أعِفَّاءٍ ولا أَكْياتٍ (١) |
أراد ولا أكياس ، فأبدل التاء من سين الناس والأكياس لموافقتها إياها فى الهمس والزيادة وتَجَاوُر المَخَارِج.
* والإِنْسُ : جماعةُ الناس ، والجمع : أُناسٌ.
* والإِنْسِىُ : مَنْسُوب إلى الإِنْسِ ، كقولك : جِنِّىٌّ وجِنٌّ ، وسِنْدِىُّ وسِنْدٌ ، والجمع أَنَاسِىُ ، كَكُرْسِىٍّ وكَرَاسِىّ.
وقيل : أَنَاسِىُ جمع إنْسان كَسِرْحانٍ وسَراحِين ، لكنهم أَبْدَلُوا الياء من النُّون.
فأما قولهم : أناسِيَةٌ. فإنهم جَعَلُوا الهاءَ عِوَضًا من إحدى ياءَىْ أَنَاسِىِ ، جمع إنسان ، كما قال جَلَّ وعَزَّ : (وَأَناسِيَ كَثِيراً) [الفرقان : ٤٩]. وتكون الياء الأولى من الياءين عِوَضًا منقلبة من الألف التى بعد السين ، والثانية مُنْقَلِبة من النُّون كما تَنْقَلِب النُّون من الواو إذا نَسَبْتَ إلى صَنْعاءَ وبَهْراءَ ، فقلت : صَنْعانِىٌّ وبَهْرانِىٌّ ، ويجوز أن تحذف الألف والنُّون فى إنسان تَقْدِيرًا وتأتى بالياء التى تكون فى تصغيره ، إذا قالوا : أُنَيْسِيان ، فكأنهم رَدُّوا فى الجمعِ الياءَ التى يردُّونها فى التصغير ، فيصير أَناسِىَ ، فيدخلون الهاء لتحقيق التأنيث.
وقال المُبَرّد : أَناسِيَةٌ : جمعُ إنْسِىّ ، والهاء عوضٌ من الياء المَحْذُوفة ، لأنه كان يجب الأَنَاسِىّ ، ألا تَرضى أن أَنَاسِىّ بوَزْن زَنادِيقَ وفَرازِينَ ، وأن الهاء فى زَنادِقة وفَرَازِنة إنما هى بَدَلٌ من الياء ، وأنها لما حُذِفَتْ للتخفيف عوّضت منها الهاء ، فالياء الأولى من أَناسِىّ بمنزلة الياء من فرازين وزناديق ، والياء الأخيرة بمنزلة القاف والنون منها ، ومثل ذلك جَحْجاحٌ وجَحاجِحَة إنما أصله جَحاجِيح.
__________________
(١) الرجز لعلباء بن أرقم فى لسان العرب (نوت) ، (سين) ، (تا) ؛ وتاج العروس (كيت) ، (نوت) ، (عسل) ؛ وبلا نسبة فى لسان العرب (أنس) ، (مرس) ؛ والمخصص (٣ / ٢٦ ، ١٣ / ٢٨٣) ؛ وتاج العروس (سين).