وقيل : المشار إليه بقوله « هذا » هو التمكن من إحضاره بالواسطة أو بالذات.
وفيه أن ظاهر قوله : « فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ » إلخ ، إن هذا الثناء مرتبط بحال الرؤية والذي في حال الرؤية هو حضور العرش عنده دون التمكن من الإحضار الذي كان متحققا منذ زمان.
وفي الكلام حذف وإيجاز ، والتقدير فأذن له سليمان في الإتيان به كذلك فأتى به كما قال : « فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ » وفي حذف ما حذف دلالة بالغة على سرعة العمل كأنه لم يكن بين دعواه الإتيان به كذلك وبين رؤيته مستقرا عنده فصل أصلا.
قوله تعالى : « قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ » قال في المفردات : ، تنكير الشيء من حيث المعنى جعله بحيث لا يعرف ، قال تعالى : « قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها » وتعريفه جعله بحيث يعرف. انتهى.
والسياق يدل على أن سليمان عليهالسلام إنما قاله حينما قصدته ملكة سبإ وملؤها لما دخلوا عليه ، وإنما أراد بذلك اختبار عقلها كما أنه أراد بأصل الإتيان به إظهار آية باهرة من آيات نبوته لها ، ولذا أمر بتنكير العرش ثم رتب عليه قوله : « نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي » إلخ ، والمعنى ظاهر.
قوله تعالى : « فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ » أي فلما جاءت الملكة سليمان عليهالسلام قيل له من جانب سليمان : « أَهكَذا عَرْشُكِ » وهو كلمة اختبار.
ولم يقل : أهذا عرشك بل زيد في التنكير فقيل : ( أَهكَذا عَرْشُكِ )؟ فاستفهم عن مشابهة عرشها لهذا العرش المشار إليه في هيئته وصفاته ، وفي نفس هذه الجملة نوع من التنكير.
وقوله : « قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ » المراد به أنه هو وإنما عبرت بلفظ التشبيه تحرزا من الطيش والمبادرة إلى التصديق من غير تثبت ، ويكنى عن الاعتقادات الابتدائية التي لم يتثبت عليها غالبا بالتشبيه.
وقوله : « وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ » ضمير « قَبْلِها » لهذه الآية أي الإتيان بالعرش أو لهذه الحالة أي رؤيتها له بعد ما جاءت ، وظاهر السياق أنها تتمة