اللحظ والنظر وارتداد الطرف وصول المنظور إليه إلى النفس وعلم الإنسان به ، فالمراد أنا آتيك به في أقل من الفاصلة الزمانية بين النظر إلى الشيء والعلم به.
وقيل : الطرف تحريك الأجفان وفتحها للنظر ، وارتداده هو انضمامها ولكونه أمرا طبيعيا غير منوط بالقصد أوثر الارتداد على الرد فقيل : ( قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) ولم يقل : قبل أن يرد. هذا.
وقد أخطأ فالطرف كالتنفس من أفعال الإنسان الاختيارية غير أن الذي يبعث إليه هو الطبيعة كما في التنفس ولذلك لا يحتاج في صدوره إلى ترو سابق كما يحتاج إليه في أمثال الأكل والشرب ، فالفعل الاختياري ما يرتبط إلى إرادة الإنسان وهو أعم مما يسبقه التروي ، والذي أوقع هذا القائل فيما وقع ظنه التساوي بين الفعل الصادر عن اختيار والصادر عن ترو ، ولعل النكتة في إيثار الارتداد على الرد هي أن الفعل لعدم توقفه على التروي كأنه يقع بنفسه لا عن مشية من اللاحظ.
والخطاب في قوله : « أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ » لسليمان عليهالسلام فهو الذي يريد الإتيان به إليه وهو الذي يراد الإتيان به إليه.
وقيل : الخطاب للعفريت القائل : ( أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ ) والمراد بالذي عنده علم من الكتاب عند هذا القائل هو سليمان ، وإنما قاله له إظهارا لفضل النبوة وأن الذي أقدره الله عليه بتعليمه علما من الكتاب أعظم مما يتبجح به العفريت من القدرة ، فالمعنى : قال سليمان للعفريت لما قال ما قال : أنا آتيك بالعرش قبل ارتداد طرفك.
وقد أصر في التفسير الكبير ، على هذا القول وأورد لتأييده وجوها وهي وجوه رديئة وأصل القول لا يلائم السياق كما أومأنا إليه.
قوله تعالى : « فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي » إلى آخر الآية ، أي لما رأى سليمان العرش مستقرا عنده قال هذا ، أي حضور العرش واستقراره عندي في أقل من طرفة العين من فضل ربي من غير استحقاق مني ليبلوني أي يمتحنني أأشكر نعمته أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه أي يعود نفعه إليه لا إلى ربي ومن كفر فلم يشكر فإن ربي غني كريم ـ وفي ذيل الكلام تأكيد لما في صدره من حديث الفضل ـ.