بل صرح مملس من زجاج فلما رأت ما رأت من عظمة ملك سليمان وقد كانت رأت سابقا ما رأت من أمر الهدهد ورد الهدية والإتيان بعرشها لم تشك أن ذلك من آيات نبوته من غير أن يؤتى بحزم أو تدبير وقالت عند ذلك : ( رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ) إلخ.
وقوله : « قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » استغاثت أولا بربها بالاعتراف بالظلم إذ لم تعبد الله من بدء أو من حين رأت هذه الآيات ثم شهدت بالإسلام لله مع سليمان.
وفي قوله : « وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ » التفات بالنسبة إليه تعالى من الخطاب إلى الغيبة ووجهه الانتقال من إجمال الإيمان بالله إذ قالت : « رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي » إلى التوحيد الصريح فإنها تشهد أن إسلامها لله مع سليمان فهو على نهج إسلام سليمان وهو التوحيد ثم تؤكد التصريح بتوصيفه تعالى برب العالمين فلا رب غيره تعالى لشيء من العالمين وهو توحيد الربوبية المستلزم لتوحيد العبادة الذي لا يقول به مشرك.
( كلام في قصة سليمان (ع))
١ _ ما ورد من قصصه في القرآن : لم يرد من قصصه عليهالسلام في القرآن الكريم إلا نبذة يسيرة غير أن التدبر فيها يهدي إلى عامة قصصه ومظاهر شخصيته الشريفة.
منها : وراثته لأبيه داود قال تعالى : « وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ » ص : ٣٠ ، وقال « وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ » النمل : ١٦.
ومنها : إيتاؤه الملك العظيم وتسخير الجن والطير والريح له وتعليمه منطق الطير وقد تكرر ذكر هذه النعم في كلامه تعالى كما في سورة البقرة الآية ١٠٢ والأنبياء الآية ٨١ ، والنمل الآية ١٦ ـ ١٨ ، وسبإ الآية ١٢ ـ ١٣ وص الآية ٣٥ ـ ٣٩.
ومنها : الإشارة إلى قصة إلقاء جسد على كرسيه كما في سورة ص الآية ٣٣.
ومنها : الإشارة إلى عرض الصافنات الجياد عليه كما في سورة ص الآية ٣١ ـ ٣٣.
ومنها : الإشارة إلى تفهيمه الحكم في الغنم التي نفشت في الحرث كما في سورة الأنبياء الآية ٧٨ ـ ٧٩.
ومنها : الإشارة إلى حديث النملة كما في سورة النمل الآية ١٨ ـ ١٩.