فالمعنى : وإذا أظهرتم شدة في العمل وبأسا بالغتم في ذلك كما يبالغ الجبابرة في الشدة.
ومحصل الآيات الثلاث أنكم مسرفون في جانبي الشهوة والغضب متعدون حد الاعتدال خارجون عن طور العبودية.
قوله تعالى : « فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ » تفريع على إسرافهم في جانبي الشهوة والغضب وخروجهم عن طور العبودية فليتقوا الله وليطيعوه فيما يأمرهم به من ترك الإتراف والاستكبار.
قوله تعالى : « وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ ـ إلى قوله ـ وَعُيُونٍ » قال الراغب : أصل المد الجر ، قال : وأمددت الجيش بمدود والإنسان بطعام قال : وأكثر ما جاء الإمداد في المحبوب والمد في المكروه ، قال تعالى : « وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ » « وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا » انتهى ملخصا.
وقوله : « وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ » إلخ ، في معنى تعليق الحكم بالوصف المشعر بالعلية أي اتقوا الله الذي يمدكم بنعمه لأنه يمدكم بها فيجب عليكم أن تشكروه بوضع نعمه في موضعها من غير إتراف واستكبار فإن كفران النعمة يستعقب السخط والعذاب قال تعالى : « لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ » إبراهيم : ٧.
وقد ذكر النعم إجمالا بقوله أولا : « أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ » ثم فصلها بقوله ثانيا : « أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ».
وفي قوله : « أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ » نكتة أخرى هي أنكم تعلمون أن هذه النعم من إمداده تعالى وصنعه لا يشاركه في إيجادها والإمداد بها غيره فهو الذي يجب لكم أن تتقوه بالشكر والعبادة دون الأوثان والأصنام فالكلام متضمن للحجة.
قوله تعالى : « إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ » تعليل للأمر بالتقوى أي إني آمركم بالتقوى شكرا لأني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم أن تكفروا ولم تشكروا ، والظاهر أن المراد باليوم العظيم يوم القيامة وإن جوز بعضهم أن يكون المراد به يوم عذاب الاستئصال.