وفيه تلويح إلى أنهم لا يستحقون جوابا ولا يصلحون لأن يخاطبوا لأنهم على علم بفساد ما اقترحوا به عليه فالنبي صلىاللهعليهوآله لم يذكر لهم إلا أنه بشر مثلهم يوحى إليه ، ولم يدع أن له قدرة غيبية وسلطنة إلهية على كل ما يريد أو يراد منه ، كما قال تعالى بعد ما حكى بعض اقتراحاتهم في سورة الإسراء « قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً » إسراء : ٩٣.
فأعرض سبحانه عن مخاطبتهم وعن الجواب عما اقترحوه ، وإنما ذكر لنبيه صلىاللهعليهوآله أن ربه الذي اتخذه رسولا وأنزل عليه الفرقان ليكون للعالمين نذيرا قادر على أعظم مما يقترحونه فإن شاء جعل له خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ، ويجعل له قصورا لا يبلغ وصفها واصف وذلك خير من أن يكون له جنة يأكل منها أو يلقى إليه كنز ليصرفه في حوائجه.
وبهذا المقدار يتحصل جوابهم فيما اقترحوه من الكنز والجنة ، وأما نزول الملك إليه ليشاركه في الإنذار ويعينه على التبليغ فلم يذكر جواب عنه لظهور بطلانه ، وقد أجاب تعالى عنه في مواضع من كلامه بأجوبة مختلفة كقوله : « وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ » الأنعام : ٩ ، وقوله : « قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً » إسراء : ٩٥ ، وقوله : « ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ » الحجر : ٨ ، وقد تقدم تقرير حجة كل من الآيات في ضمن تفسيرها.
ومن هنا يظهر أن المراد بجعل الجنات والقصور له صلىاللهعليهوآله جعله في الدنيا على ما يقتضيه مقام المخاصمة ورد قولهم فإن المحصل من السياق أنهم يقترحون عليك كيت وكيت وهم يريدون تعجيزك وتبكيتك وإن ربك قادر على أعظم من ذلك فإن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار إلخ وهي لا محالة في الدنيا وإلا لم ينقطع به الخصام.
وبذلك يتبين فساد ما نقل عن بعضهم أن المراد جنات الآخرة وقصورها وأفسد منه قول آخرين إن المراد جعل جنات تجري من تحتها الأنهار في الدنيا وجعل القصور في الآخرة ، وربما استونس لذلك بأن التعبير في الجنات بقوله : « إِنْ شاءَ جَعَلَ » وهو