وقولهم : « إِنْ تَتَّبِعُونَ » إلخ ، خطاب منهم للمؤمنين تعييرا لهم وإغواء عن طريق الحق ، ومرادهم بالرجل المسحور النبي صلىاللهعليهوآله يريدون أنه مسحور سحره بعض السحرة فصار يخيل إليه أنه رسول يأتيه ملك الوحي بالرسالة والكتاب.
قوله تعالى : « انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً » الأمثال الأشباه وربما قيل : إن المثل هنا بمعنى الوصف على حد قوله تعالى : « مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ » سورة محمد : ١٥ ، والمحصل : انظر كيف وصفوك فضلوا فيك ضلالا لا يرجى معه اهتداؤهم إلى الحق كقولهم إنه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق فلا يصلح للرسالة لأن الرسول يجب أن يكون شخصا غيبيا لا تعلق له بالمادة ولا أقل من عدم احتياجه إلى الأسباب العادية في تحصيل المعاش ، وكقولهم : إنه رجل مسحور.
وقوله : « فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً » أي تفرع على هذه الأمثال التي ضربوها لك أنهم ضلوا ضلالا لا يستطيعون معه أن يردوا سبيل الحق ولا يرجى لهم معه الاهتداء فإن من أخطأ الطريق ربما أخطأها بانحراف يسير يرجى معه ركوبها ثانيا ، وربما استدبرها فصار كلما أمعن في مسيره زاد منها بعدا ، ومن سمى كتاب الله بالأساطير ووصف رسوله بالمسحور ولم يزل يزيد تعنتا ولجاجا واستهزاء بالحق كيف يرجى اهتداؤه وحاله هذه؟.
قوله تعالى : « تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً » الإشارة في قوله : « مِنْ ذلِكَ » إلى ما اقترحوه من قولهم : « أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها » أو إلى مجموع ما ذكروه من الكنز والجنة.
والقصور جمع قصر وهو البيت المشيد العالي ، وتنكير « قُصُوراً » للدلالة على التعظيم والتفخيم.
والآية بمنزلة الجواب عن طعنهم بالنبي صلىاللهعليهوآله واقتراحهم أن ينزل إليه ملك أو يلقى إليه كنز أو يكون له جنة غير أن فيها التفاتا من التكلم إلى الغيبة فلم يقل : قل إن شاء ربي جعل لي كذا وكذا بل عدل إلى قوله : « تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ » إلخ.