واختار بعضهم رجوع ضمير « عَنْهُ » إلى « كُلُ » وعود باقي الضمائر إلى القافي المدلول عليه في الكلام فيكون المسئول هو القافي يسأل عن سمعه وبصره وفؤاده كيف استعملها؟ وفيما استعملها؟ وعليه ففي الكلام التفات عن الخطاب إلى الغيبة ، وكان الأصل أن يقال : كنت عنه مسئولا. وهو بعيد.
والمعنى : لا تتبع ما ليس لك به علم لأن الله سبحانه سيسأل عن السمع والبصر والفؤاد وهي الوسائل التي يستعملها الإنسان لتحصيل العلم ، والمحصل من التعليل بحسب انطباقه على المورد أن السمع والبصر والفؤاد إنما هي نعم آتاها الله الإنسان ليشخص بها الحق ويحصل بها على الواقع فيعتقد به ويبني عليه عمله وسيسأل عن كل منها هل أدرك ما استعمل فيه إدراكا علميا؟ وهل اتبع الإنسان ما حصلته تلك الوسيلة من العلم؟.
فيسأل السمع هل كان ما سمعه معلوما مقطوعا به؟ وعن البصر هل كان ما رآه ظاهرا بينا؟ وعن الفؤاد هل كان ما فكره وقضى به يقينيا لا شك فيه؟ وهي لا محالة تجيب بالحق وتشهد على ما هو الواقع فمن الواجب على الإنسان أن يتحرز عن اتباع ما ليس له به علم فإن الأعضاء ووسائل العلم التي معه ستسأل فتشهد عليه فيما اتبعه مما حصلته ولم يكن له به علم ولا يقبل حينئذ له عذر.
ومآله إلى نحو من قولنا : لا تقف ما ليس لك به علم فإنه محفوظ عليك في سمعك وبصرك وفؤادك ، والله سائلها عن عملك لا محالة ، فتكون الآية في معنى قوله تعالى : « حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ـ إلى أن قال ـ وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ » حم السجدة ـ ٢٠ ـ ٢٣ وغيرها من آيات شهادة الأعضاء.
غير أن الآية تزيد عليها بعد الفؤاد من الشهداء على الإنسان وهو الذي به يشعر الإنسان ما يشعر ويدرك ما يدرك ، وهو من أعجب ما يستفاد من آيات الحشر أن يوقف الله النفس الإنسانية فيسألها عما أدركت فتشهد على الإنسان نفسه.