إلى انكشاف حالهم وظهور أمرهم للناس. ثم يذكر إعثار الناس عليهم بما يشير إلى توفيهم ثانيا بعد حصول الغرض الإلهي وما صنع بعد ذلك من اتخاذ مسجد عليهم هذا هو الذي جرى عليه كلامه تعالى.
وقد أضرب عن ذكر أسمائهم وأنسابهم وموالدهم وكيفية نشأتهم وما اتخذوه لأنفسهم من المشاغل وموقعهم من مجتمعهم وزمان قيامهم واعتزالهم واسم الملك الذي هربوا منه والمدينة التي خرجوا منها والقوم الذين كانوا فيهم واسم الكلب الذي لازمهم وهل كان كلب صيد لهم أو كلب غنم للراعي؟ وما لونه؟ ـ وقد أمعن فيه الروايات ـ إلى غير ذلك من الأمور التي لا يتوقف غرض الهداية على العلم بشيء منها كما يتوقف عليه غرض البحث التاريخي.
ثم إن المفسرين من السلف لما أخذوا في البحث عن آيات القصص راموا بيان اتصال الآيات بضم المتروك من أطراف القصص إلى المختار المأخوذ منها لتصاغ بذلك قصة كاملة الأجزاء مستوفاة الأطراف فأدى اختلاف أنظارهم إلى اختلاف يشابه اختلاف النقل فآل الأمر إلى ما نشاهده.
٢ ـ قصة أصحاب الكهف في القرآن : وقد قال تعالى مخاطبا لنبيه صلىاللهعليهوآله « فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً » كانت أصحاب الكهف والرقيم فتية نشئوا في مجتمع مشرك لا يرى إلا عبادة الأوثان فتسرب في المجتمع دين التوحيد فآمن بالله قوم منهم فأنكروا عليهم ذلك وقابلوهم بالتشديد والتضييق والفتنة والعذاب ، وأجبروهم على عبادة الأوثان ورفض دين التوحيد فمن عاد إلى ملتهم تركوه ومن أصر على المخالفة قتلوه شر قتلة.
وكانت الفتية ممن آمن بالله إيمانا على بصيرة فزادهم الله هدى على هداهم وأفاض عليهم المعرفة والحكمة وكشف بما آتاهم من النور عما يهمهم من الأمر وربط على قلوبهم فلم يخشوا إلا الله ولا أوحشهم ما يستقبلهم من الحوادث والمكاره فعلموا أنهم لو أداموا المكث في مجتمعهم الجاهل المتحكم لم يسعهم دون أن يسيروا بسيرتهم فلا يتفوهوا بكلمة الحق ولا يتشرعوا بشريعة الحق وعلموا أن سبيلهم أن يقوموا على التوحيد ورفض الشرك ثم اعتزال القوم ، وعلموا أن لو اعتزلوهم ودخلوا الكهف أنجاهم الله مما هم فيه من البلاء.