والأسر ثم يعودون إلى الطاعة فيعود تعالى إلى النعمة والرحمة ثم يستعلون ويطغون ثانيا فينتقم الله منهم ثانيا بأشد مما في المرة الأولى ثم من المرجو أن يرحمهم ربهم وإن يعودوا يعد.
ومن ذلك يستنتج أن الآيات السبع كالتوطئة لما سيذكر بعدها من جريان هذه السنة العامة في هذه الأمة ، والآيات السبع كالمعترضة بين الآية الأولى والتاسعة.
قوله تعالى : « وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً » الكتاب كثيرا ما يطلق في كلامه تعالى على مجموع الشرائع المكتوبة على الناس القاضية بينهم فيما اختلفوا فيه من الاعتقاد والعمل ففيه دلالة على اشتماله على الوظائف الاعتقادية والعملية التي عليهم أن يأخذوها ويتلبسوا بها ، ولعله لذلك قيل : « وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ » ولم يقل التوراة ليدل به على اشتماله على شرائع مفترضة عليهم.
وبذلك يظهر أن قوله : « وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ » بمنزلة التفسير لإيتائه الكتاب. وكونه هدى أي هاديا لهم هو بيانه لهم شرائع ربهم التي لو أخذوها وعملوا بها لاهتدوا إلى الحق ونالوا سعادة الدارين.
وقوله : « أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً » أن : فيه للتفسير ومدخولها محصل ما يشتمل عليه الكتاب الذي جعل هدى لهم فيئول المعنى إلى أن محصل ما كان الكتاب يبينه لهم ويهديهم إليه هو نهيه إياهم أن يشركوا بالله شيئا ويتخذوا من دونه وكيلا فقوله : « أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً » تفسيرا لقوله : « وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ » إن كان ضمير « أَلَّا تَتَّخِذُوا » عائدا إليهم كما هو الظاهر ، وتفسير لجميع ما تقدمه إن احتمل رجوعه إلى موسى وبني إسرائيل جميعا.
وفي الجملة التفات من التكلم مع الغير إلى التكلم وحده ووجهه بيان كون التكلم مع الغير لغرض التعظيم وجريان السياق على ما كان عليه من التكلم مع الغير كأن يقال : « أن لا تتخذوا من دوننا وكلاء » لا يناسب معنى التوحيد الذي سيقت له الجملة ، ولذلك عدل فيها إلى سياق التكلم وحده ثم لما ارتفعت الحاجة رجع الكلام إلى سياقه السابق فقيل : « ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ ».
ورجوع اتخاذ الوكيل من دون الله إلى الشرك إنما هو من جهة أن الوكيل هو الذي