قوله تعالى : « قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً » الضمير في « بَعْدَها » راجع إلى هذه المرة أو المسألة أي إن سألتك بعد هذه المرة أو هذه المسألة فلا تصاحبني أي يجوز لك أن لا تصاحبني.
وقوله : « قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً » أي بلغت عذرا ووجدته كائنا ذلك من لدني إذ بلغ عذرك النهاية من عندي.
قوله تعالى : « فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها » إلى آخر الآية الكلام في قوله : « فَانْطَلَقا » « فَأَبَوْا » « فَوَجَدا » « فَأَقامَهُ » كالكلام في قوله في الآية السابقة : « فَانْطَلَقا » « فَقَتَلَهُ ».
وقوله : « اسْتَطْعَما أَهْلَها » صفة لقرية ولم يقل : « استطعماهم » لرداءة قولنا : قرية استطعماهم بخلاف مثل قولنا : أتى قرية على إرادة أتى أهل قرية لأن للقرية نصيبا من الإتيان فيجوز وضعها موضع أهلها مجازا بخلاف الاستطعام لأنه لأهلها خاصة ، وعلى هذا فليس قوله : « أَهْلَها » من وضع الظاهر موضع المضمر.
ولم يقل : حتى إذا أتيا قرية استطعما أهلها لأن القرية كانت تتمحض حينئذ في معناها الحقيقي والغرض العمدة ـ كما عرفت ـ متعلق بالجزاء أعني قوله : « قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً » وفيه ذكر أخذ الأجر وهو إنما يكون من أهلها لا منها فقوله : « أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ » دليل على أن إقامة الجدار كانت بحضور من أهل القرية وهو الذي أغنى أن يقال : لو شئت لاتخذت عليه منهم أو من أهلها أجرا فافهم ذلك.
والمراد بالاستطعام طلب الطعام بالإضافة ولذا قال : « فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما » وقوله « فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ » الانقضاض السقوط ، وإرادة الانقضاض مجاز عن الإشراف على السقوط والانهدام ، وقوله : « فَأَقامَهُ » أي أثبته الخضر بإصلاح شأنه ولم يذكر سبحانه كيف أقامه؟ بنحو خرق العادة أم ببناء أو ضرب دعامة؟ غير أن قول موسى : « لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً » مشعر بأنه كان بعمل غير خارق فإن المعهود من أخذ الأجر ، ما كان على العاديات.
وقوله : « قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ (١) عَلَيْهِ أَجْراً » تخذ وأخذ بمعنى واحد ، وضمير
__________________
(١) قرئ ، بالتشديد من « اتخذ » وبالتخفيف من « تخذ »