في أمر خلقها ولا استعنت بهم بشيء من أنواع الاستعانة فمن أين يكونون أولياء لهم؟.
وفيه أنه لا قرينة على هذا المجاز ولا مانع من الحمل على المعنى الحقيقي على أنه لا رابطة بين الإشارة بالشيء والولاية عليه حتى تعد المشاورة من مراتب التولية أو الإشارة من درجات الولاية ، وقد وجه بعضهم هذا المعنى بأن المراد بالإشهاد المشاورة كناية ولازم المشاورة أن يخلق كما شاءوا أي أن يخلقهم كما أحبوا أي أن يخلقهم كاملين فالمراد بنفي إشهاد الشياطين خلق أنفسهم نفي أن يكونوا كاملين في الخلقة حتى يسع لهم ولاية تدبير الأمور.
وفيه مضافا إلى أنه يرد عليه ما أورد على سابقه أولا أن ذلك يرجع إلى إطلاق الشيء وإرادة لازمه بخمس مراتب من اللزوم فالمشاورة لازم الإشهاد على ما يدعيه وخلق ما يشاؤه المشير لازم المشاورة وخلق ما يحبه لازم خلق ما يشاؤه ، وكمال الخلقة لازم خلق ما يحبه ، وصحة الولاية لازم كمال الخلقة فإطلاق الإشهاد وإرادة كمال الخلقة أو صحة الولاية من قبيل التكنية عن لازم المعنى من وراء لزومات أربع أو خمس ، والكتاب المبين يجل عن أمثال هذه الألغازات.
وثانيا : أنه لو صح فإنما يصح في إشهادهم خلق أنفسهم دون إشهادهم خلق السماوات والأرض فلازمه التفكيك بين الإشهادين.
وثالثا : أن لازمه صحة ولاية من كان كاملا في خلقه كالملائكة المقربين ففيه اعتراف بإمكان ولايتهم وجواز ربوبيتهم والقرآن يدفع ذلك بأصرح البيان فأين الممكن المفتقر لذاته إلى الله سبحانه من الاستقلال في تدبير نفسه أو تدبير غيره؟ وأما نحو قوله تعالى : « فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً » النازعات : ٥ فسيجيء توضيح معناه إن شاء الله.
ومنها قول بعضهم : إن المراد بالإشهاد حقيقة معناه والضميران للشياطين لكن المراد من إشهادهم خلق أنفسهم إشهاد بعضهم خلق بعض لا إشهاد كل خلق نفسه.
وفيه أن المراد بنفي الإشهاد استنتاج انتفاء الولاية ، ولم يقل أحد من المشركين بولاية بعض الشياطين لبعض ولا تعلق الغرض بنفيها حتى يحمل لفظ الآية على إشهاد بعضهم خلق بعض.