الخوف فيه أظهر ، وإذا عدي بفي فمعنى العناية فيه أظهر ، قال تعالى : « إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ » « مُشْفِقُونَ مِنْها » انتهى.
والويل الهلاك ، ونداؤه عند المصيبة ـ كما قيل ـ كناية عن كون المصيبة أشد من الهلاك فيستغاث بالهلاك لينجى من المصيبة كما ربما يتمنى الموت عند المصيبة قال تعالى : « يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا » مريم : ٢٣.
وقوله : « وَوُضِعَ الْكِتابُ » ظاهر السياق أنه كتاب واحد يوضع لحساب أعمال الجميع ولا ينافي ذلك وضع كتاب خاص بكل إنسان والآيات القرآنية دالة على أن لكل إنسان كتابا ولكل أمة كتابا وللكل كتابا قال تعالى : « وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً » الآية : إسراء : ١٣ وقد تقدم الكلام فيها ، وقال : « كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا » الجاثية : ٢٨ وقال : « هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ » الجاثية : ٢٩ وسيجيء الكلام في الآيتين إن شاء الله تعالى.
وقيل : المراد بالكتاب كتب الأعمال واللام للاستغراق ، والسياق لا يساعد عليه.
وقوله : « فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ » تفريع الجملة على وضع الكتاب وذكر إشفاقهم مما فيه دليل على كونه كتاب الأعمال أو كتابا فيه الأعمال ، وذكرهم بوصف الاجرام للإشارة إلى علة الحكم وأن إشفاقهم مما فيه لكونهم مجرمين فالحكم يعم كل مجرم وإن لم يكن مشركا.
وقوله : « وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها » الصغيرة والكبيرة وصفان قامتا مقام موصوفهما وهو الخطيئة أو المعصية أو الهنة ونحوها.
وقولهم هذا إظهار للدهشة والفزع من سلطة الكتاب في إحصائه للذنوب أو لمطلق الحوادث ومنها الذنوب في صورة الاستفهام التعجيبي ، ومنه يعلم وجه تقديم الصغيرة على الكبيرة في قوله : « صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً » مع أن الظاهر أن يقال : لا يغادر كبيرة ولا صغيرة إلا أحصاها بناء على أن الكلام في معنى الإثبات وحق الترقي فيه أن يتدرج من الكبير إلى الصغير هذا ، وذلك لأن المراد ـ والله أعلم ـ لا يغادر صغيرة لصغرها