وحصلت الدلالة الإلهية ثم إن الله قبضهم إليه فلم يلبثوا أحياء بعد انبعاثهم إلا سويعات ارتفعت بها عن الناس شبهتهم في أمر البعث وعندئذ قال المشركون ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم.
وفي قوله : « رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ » إشارة إلى وقوع خلاف بين الناس المجتمعين عليهم أمرهم ، فإنه كلام آيس من العلم بهم واستكشاف حقيقة أمرهم يلوح منه أن القوم تنازعوا في شيء مما يرجع إليهم فتبصر فيه بعضهم ولم يسكن الآخرون إلى شيء ولم يرتضوا رأي مخالفيهم فقالوا : ابنوا لهم بنيانا ربهم أعلم بهم.
فمعنى الجملة أعني قوله : « رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ » يتفاوت بالنظر إلى الوجهين المتقدمين في قوله : « إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ » إذ للجملة على أي حال نوع تفرع على تنازع بينهم كما عرفت آنفا فإن كان التنازع المدلول عليه بقوله : « إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ » هو التنازع في أمر البعث بالإقرار والإنكار لكون ضمير « أَمْرَهُمْ » للناس كان المعنى أنهم تنازعوا في أمر البعث فأعثرناهم عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها لكن المشركين لم ينتهوا بما ظهرت لهم من الآية فقالوا ابنوا على أصحاب الكهف بنيانا واتركوهم على حالهم ينقطع عنهم الناس فلم يظهر لنا من أمرهم شيء ولم نظفر فيهم على يقين ربهم أعلم بهم ، وقال الموحدون أمرهم ظاهر وآيتهم بينة ولنتخذن عليهم مسجدا يعبد فيه الله ويبقى ببقائه ذكرهم.
وإن كان التنازع هو التنازع في أصحاب الكهف وضمير « أَمْرَهُمْ » راجعا إليهم كان المعنى أنا أعثرنا الناس عليهم بعد بعثهم عن نومتهم ليعلم الناس أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها عند ما توفاهم الله بعد إعثار الناس عليهم وحصول الغرض وهم أي الناس يتنازعون بينهم في أمرهم أي أمر أصحاب الكهف كأنهم اختلفوا : أنيام القوم أم أموات؟ وهل من الواجب أن يدفنوا ويقبروا أو يتركوا على هيئتهم في فجوة الكهف فقال المشركون : ابنوا عليهم بنيانا واتركوهم على حالهم ربهم أعلم بهم أنيام أم أموات؟ قال الموحدون : « لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً ».
لكن السياق يؤيد المعنى الأول لأن ظاهره كون قول الموحدين : « لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً » ردا منهم لقول المشركين : « ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً » إلخ » والقولان من الطائفتين