وهذا كله لا بأس به على من اضطر على الإقامة في بلاد الكفر والانحصار بين أهله كالأسير المستضعف بحكم العقل والنقل وقد قال تعالى : « إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ » النحل : ١٠٦ وقال تعالى : « إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً » آل عمران : ٢٨ فله أن يؤمن بقلبه وينكره بلسانه وأما من كان بنجوة منهم وهو حر في اعتقاده وعمله ثم ألقى بنفسه في مهلكة الضلال وتسبب إلى الانحصار في مجتمع الكفر فلم يستطع التفوه بكلمة الحق وحرم التلبس بالوظائف الدينية الإنسانية فقد حرم على نفسه السعادة ولن يفلح أبدا قال تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً » النساء : ٩٧.
وبهذا يظهر وجه ترتب قوله : « وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً » على قوله : « أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ » ويندفع ما قيل : إن إظهار الكفر بالإكراه مع إبطان الإيمان معفو عنه في جميع الأزمان فكيف رتب على العود في ملتهم عدم الفلاح أبدا مع أن الظاهر من حالهم الكره هذا فإنهم لو عرضوا بأنفسهم عليهم أو دلوهم بوجه على مكانهم فأعادوهم في ملتهم ولو على كره كان ذلك منهم تسببا اختياريا إلى ذلك ولم يعذروا البتة.
وقد أجابوا عن الإشكال بوجوه أخر غير مقنعة :
منها : أن الإكراه على الكفر قد يكون سببا لاستدراج الشيطان إلى استحسانه والاستمرار عليه وفيه أن لازم هذا الوجه أن يقال : ويخاف عليكم أن لا تفلحوا أبدا إلا أن يقضى بعدم الفلاح قطعا.
ومنها : أنه يجوز أن يكون أراد يعيدوكم إلى دينهم بالاستدعاء دون الإكراه وأنت خبير بأن سياق القصة لا يساعد عليه.
ومنها : أنه يجوز أن يكون في ذلك الوقت كان لا يجوز التقية بإظهار الكفر مطلقا وفيه عدم الدليل على ذلك.
وسياق ما حكى من محاورتهم أعني قوله : « لَبِثْتُمْ » إلى تمام الآيتين سياق عجيب دال على كمال تحابهم في الله ومواخاتهم في الدين وأخذهم بالمساواة بين أنفسهم ونصح