ودل بها على ما في ضميره ، وجرت على ذلك سنة التفهيم والتفهم ، وربما استعان على بعض مقاصده بالإشارة بيده أو رأسه أو غيرهما ، وربما استعان على ذلك بكتابة أو نصب علامة.
وبالجملة فالذي يكشف به عن معنى مقصود قول وكلام وقيام الشيء بهذا الكشف قول منه وتكليم وإن لم يكن بصوت مقروع ولفظ موضوع ، ومن الدليل عليه ما ينسبه القرآن إليه تعالى من الكلام والقول والأمر والوحي ونحو ذلك مما فيه معنى الكشف عن المقاصد وليس من قبيل القول والكلام المعهود عندنا معشر المتلسنين باللغات وقد سماه الله سبحانه قولا وكلاما.
وعند هذه الموجودات المشهودة من السماء والأرض ومن فيهما ما يكشف كشفا صريحا عن وحدانية ربها في ربوبيته وينزهه تعالى عن كل نقص وشين فهي تسبح الله سبحانه.
وذلك أنها ليست لها في أنفسها إلا محض الحاجة وصرف الفاقة إليه في ذاتها وصفاتها وأحوالها. والحاجة أقوى كاشف عما إليه الحاجة لا يستقل المحتاج دونه ولا ينفك عنه فكل من هذه الموجودات يكشف بحاجته في وجوده ونقصه في ذاته عن موجده الغني في وجوده التام الكامل في ذاته وبارتباطه بسائر الموجودات التي يستعين بها على تكميل وجوده ورفع نقائصه في ذاته أن موجده هو ربه المتصرف في كل شيء المدبر لأمره.
ثم النظام العام الجاري في الأشياء الجامع لشتاتها الرابط بينها يكشف عن وحدة موجدها ، وأنه الذي إليه بوحدته يرجع الأشياء وبه بوحدته ترتفع الحوائج والنقائص فلا يخلو من دونه من الحاجة ، ولا يتعرى ما سواه من النقيصة وهو الرب لا رب غيره والغني الذي لا فقر عنده والكمال الذي لا نقص فيه.
فكل واحد من هذه الموجودات يكشف بحاجته ونقصه عن تنزه ربه عن الحاجة وبراءته من النقص حتى أن الجاهل المثبت لربه شركاء من دونه أو الناسب إليه شيئا من النقص والشين تعالى وتقدس يثبت بذلك تنزهه من الشريك وينسب بذلك إليه البراءة من النقص فإن المعنى الذي تصور في ضمير هذا الإنسان واللفظ الذي يلفظه لسانه وجميع ما استخدمه في تأدية هذا المقصود كل ذلك أمور موجودة تكشف بحاجتها الوجودية