له سبحانه كما أن وجوداتها له ملكا طلقا لا يقبل بطلانا ولا نقلا ولا تبديلا فهو سبحانه المنعم بها حقيقة لا غيره من شيء حتى الذي نفس النعمة من آثار وجوده فإنه وما له من أثر هو لله وحده.
ولذلك ضم إلى حديث الخلق والإنعام قوله تعالى : ( وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ ) لأن مجرد استناد الخلق والإنعام إلى شيء لا يستلزم ربوبيته ولا يستوجب عبادته لو لا انضمام العلم إليهما ليتم بذلك أنه مدبر يهدي كل شيء إلى كماله المطلوب له وسعادته المكتوبة في صحيفة عمله ، ومن المعلوم أن العبادة إنما تستقيم عبادة إذا كان المعبود موسوما بسمة العلم عالما بعبادة من يعبده شاهدا لخضوعه.
فمجموع ما تتضمنه الآيات من حديث الخلق والنعمة والعلم مقدمات لحجة واحدة أقيمت على توحيد الربوبية الذي ينكره الوثنية كما عرفت.
فقوله : ( أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) قياس ما له سبحانه من النعت إلى ما لغيره منه ونفي للمساواة ، والاستفهام للإنكار ، والمراد بمن لا يخلق آلهتهم الذين يدعونهم من دون الله.
وبيانه ـ كما ظهر مما تقدم ـ أن الله سبحانه يخلق الأشياء ويستمر في خلقها فلا يستوي هو ومن لا يخلق شيئا فإنه تعالى لخلقه الأشياء يملك وجوداتها وآثار وجوداتها التي هي الأنظمة الخاصة بها والنظام العام الجاري عليها.
وقوله : ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها ) إلخ ، إشارة إلى كثرة النعم الإلهية كثرة خارجة عن حيطة الإحصاء ، وبالحقيقة ما من شيء إلا وهو نعمة إذا قيس إلى النظام الكلي وإن كان ربما وجد بينها ما ليس بنعمة إذا قيس إلى بعض آخر.
وقد علل سبحانه ذلك بقوله : ( إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) وهو من ألطف التعليل وأدقه فأفاد سبحانه أن خروج النعمة عن حد الإحصاء إنما هو من بركات اتصافه تعالى بصفتي المغفرة والرحمة فإنه بمغفرته ـ والمغفرة هي الستر ـ يستر ما في الأشياء من وبال النقص وشوهة القصور ، وبرحمته والرحمة إتمام النقص ورفع الحاجة ـ يظهر فيها الخير والكمال ويحليها بالجمال فببسط المغفرة والرحمة على الأشياء يكون كل شيء نافعا في غيره خيرا مطلوبا عنده فيصير نعمة بالنسبة إليه فالأشياء بعضها نعمة