« بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ » وقوله : « وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ » فافهم ذلك.
ومن هنا يظهر ما في تفسير القوم قوله : « الَّذِينَ ظَلَمُوا » حيث أخذه بعضهم دالا على مجرد تحقق ظلم ما ، وآخرون بمعنى الوصف أي لا تركنوا إلى الظالمين ، قال صاحب المنار في تفسيره ، : فسر الزمخشري « الَّذِينَ ظَلَمُوا » بقوله : أي إلى الذين وجد منهم الظلم ولم يقل : إلى الظالمين ، وحكى أن الموفق صلى خلف الإمام فقرأ بهذه الآية فغشي عليه فلما أفاق قيل له ، فقال؟ هذا فيمن ركن إلى ظلم فكيف بالظالم انتهى.
ومعنى هذا أن الوعيد في الآية يشمل من مال ميلا يسيرا إلى من وقع منه ظلم قليل أي ظلم كان ، وهذا غلط أيضا وإنما المراد بالذين ظلموا في الآية فريق الظالمين من أعداء المؤمنين الذين يؤذونهم ويفتنونهم عن دينهم من المشركين ليردوهم عنه فهم كالذين كفروا في الآيات الكثيرة التي يراد بها فريق الكافرين لا كل فرد من الناس وقع منه كفر في الماضي وحسبك منه قوله تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ » : البقرة : ٦ ، والمخاطبون بالنهي هم المخاطبون في الآية السابقة بقوله : « فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ ».
وقد عبر عن هؤلاء الأعداء المشركين بالذين ظلموا كما عبر عن أقوام الرسل الأولين في قصصهم من هذه السورة به في الآيات ٣٧ ، ٦٧ ، ٩٤ ، وعبر عنهم فيها بالظالمين أيضا كقوله : « وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ » فلا فرق في هذه الآيات بين التعبير بالوصف والتعبير بالذي وصلته فإنهما في الكلام عن الأقوام بمعنى واحد ـ انتهى.
أما قول صاحب الكشاف : « إن المراد بالذين ظلموا » الذين وجد منهم الظلم ولم يقل : « إلى الظالمين » فهو كذلك لكنه لا ينفعه فإن التعبير بالفعل في ما قررناه من المقام وإن كان لا يفيد أزيد من تحقق المعنى الحدثي ووقوعه لكنه ينطبق على معنى الوصف كما في قوله تعالى : « فَأَمَّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى » : النازعات : ٤١ حيث عبر بالفعل وهو منطبق على معنى الصفة.
وأما قول صاحب المنار : « إنما المراد بالذين ظلموا في الآية فريق الظالمين من أعداء المؤمنين الذين يؤذونهم ويفتنونهم عن دينهم من المشركين ليردوهم عنه » فتحكم محض ،