وأي دليل يدل على قصور الآية عن الشمول للظالمين من أهل الكتاب وقد ذكرهم الله أخيرا في زمرة الظالمين باختلافهم في كتاب الله بغيا ، وقد نهى الله عن ولايتهم وشدد فيه حتى قال : « وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ » : المائدة : ٥١ ، وقال في ولاية مطلق الكافرين ، « وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ » : آل عمران : ٢٨.
وأي مانع يمنع الآية أن تشمل الظالمين من هذه الأمة وفيهم من هو أشقى من جبابرة عاد وثمود وأطغى من فرعون وهامان وقارون.
ومجرد كون الإسلام عند نزول السورة مبتلى بقريش ومشركي مكة وحواليها لا يوجب تخصيصا في اللفظ فإن خصوص المورد لا يخصص عموم اللفظ فالآية تنهى عن الركون إلى كل من اتسم بسمة الظلم ، أي من كان مشركا أو موحدا مسلما أو من أهل الكتاب.
وأما قوله : إن المراد بقوله : « إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ » المعنى الوصفي وإن كان فعلا أي الكافرون لا كل فرد من الناس وقع من كفر في الماضي. ففيه أنا بينا في الكلام على تلك الآية وفي مواضع أخرى تقدمت في الكتاب أن الآية خاصة بالكفار من صناديد قريش الذين شاقوا النبي صلىاللهعليهوآله في بادئ أمره حتى كفاه الله إياهم وأفناهم ببدر وغيره ، وأنهم المسمون بالذين كفروا. وليست الآية عامة ، ولو كانت الآية عامة وكان المراد بالذين كفروا هم الكافرين كما قاله لم تصدق الآية فيما تخبر به فما أكثر من آمن من الكافرين حتى من كفار مكة بعد نزول هذه الآية.
ولو قيل : إن المراد بهم الذين لم يؤمنوا إلى آخر عمرهم لم تفد الآية شيئا إذ لا معنى لقولنا : إن الكافرين الذين لا يؤمنون إلى آخر عمرهم لا يؤمنون فلا مناص من أخذها آية خاصة غير عامة ، وكون المراد بالذين كفروا طائفة خاصة بأعيانهم.
وقد ذكرنا فيما تقدم أن « الَّذِينَ آمَنُوا » أيضا فيما لا دليل في المورد يدل على خلافه اسم تشريفي لمن آمن بالنبي صلىاللهعليهوآله في أول دعوته الحقة ، وبهم تختص خطابات « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا » في القرآن وإن شاركهم غيرهم في الأحكام.
وأما قوله في آخر كلامه : وقد عبر عن هؤلاء الأعداء المشركين بالذين ظلموا كما عبر عن أقوام الرسل الأولين في قصصهم من هذه السورة به وعبر عنهم فيها بالظالمين أيضا فلا