أهل العصمة ولم يبق للنهي حينئذ معنى ، وليس المراد بالذين ظلموا الظالمين أي المتلبسين بهذا الوصف المستمرين في ظلمهم فإن لإفادة الفعل الدال على مجرد التحقق معنى الصفة الدالة على التلبس والاستمرار أسبابا لا يوجد في المقام منها شيء ولا دلالة لشيء على شيء جزافا.
بل المراد بالذين ظلموا أناس حالهم في الظلم حال أولئك الذين قصهم الله في الآيات السابقة من الأمم الهالكة ، وكان الشأن في قصتهم أنه تعالى أخذ الناس جملة واحدة في قبال الدعوة الإلهية المتوجهة إليهم ثم قسمهم إلى من قبلها منهم وإلى من ردها ثم عبر عمن قبلها بالذين آمنوا في بضعة مواضع من القصص المذكورة وعمن ردها بالذين ظلموا وما يقرب منه في أكثر من عشر مواضع كقوله : « وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا » وقوله : « وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ » وقوله : « وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ » وقوله : « أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ » وقوله : « أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ » إلى غير ذلك.
فقد عبر سبحانه عن ردهم وقبولهم قبال الدعوة الإلهية وبالقياس إليها بالفعل الماضي الدال على مجرد التحقق والوقوع ، وأما في الخارج من مقام القياس والنسبة فإن التعبير بالصفة كقوله : « وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ » وقوله : « وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ » وقوله : « وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ » إلى غير ذلك وهو كثير.
ومقتضى مقام القياس والنسبة إلى الدعوة قبولا وردا أن يكتفي بمجرد الوقوع والتحقق ، ويبين أنهم وسموا بإحدى السمتين : الإيمان أو الظلم ، ولا حاجة إلى ذكر الاتصاف والاستمرار بالتلبس فمفاد قوله : ظلموا وعصوا واتبعوا أمر فرعون أنهم وسموا بسمة الظلم والعصيان واتباع أمر فرعون ، ومعنى نجينا الذين آمنوا نجينا الذين اتسموا بسمة الإيمان وتعلموا بعلامته.
فكان التعبير بالماضي كافيا في إفادة أصل الاتسام المذكور وإن كان مما يلزمه الاتصاف ، وبعبارة أخرى الذين ظلموا من قوم نوح صاروا بذلك ظالمين لكن العناية إنما تعلقت بحسب المقام بتحقق الظلم منهم لا بصيرورته وصفا لهم لا يفارقهم بعد ذلك ، ولذا ترى أنه كلما خرج الكلام عن مقام القياس والنسبة بوجه عاد إلى التعبير بالصفة كقوله :